رأفت نعيم – موقع جريدة المستقبل
«كل شيء كان طبيعيا وهادئا على واجهة صيدا البحرية قبل ان تضرب المدينة هزة أرضية بقوة 6.5 درجات بمقياس ريختر. وكانت الحصيلة: قتلى وجرحى وسيارات تحترق، ومواطنون محتجزون داخل سيارة او داخل مبان متصدعة او تحت انقاض مبنى. تصدع عدد من المدارس وطلاب حوصروا بداخلها. تهدم جزء من قلعة صيدا الأثرية واحتجاز عدد من السواح فيها، فقدان نحو 20 عائلة منازلهم. ازمة سير خانقة على كل المداخل. وانقطاع بعض الطرق الداخلية، وسُحب دخان كثيف ترتفع من نقاط مختلفة والاتصالات شبه مقطوعة. هلع ورعب في صفوف المواطنين».
انها في الواقع محاكاة لهزة ارضية افتراضية، في مناورة هي الأولى والأكبر التي تشهدها عاصمة الجنوب صيدا بهدف اختبار مدى قدرتها على الاستجابة في مواجهة الكوارث والحروب، ونفذتها محافظة لبنان الجنوبي في اطار الخطة الوطنية التي اطلقتها وحدة ادارة مخاطر الكوارث والأزمات في رئاسة مجلس الوزراء بدعم من برنامج الأمم المتحدة الانمائي وجهات مانحة.
وتميزت مناورة صيدا بأنه للمرة الأولى في مثل هذا النوع من التمارين التدريبية على مواجهة الكوارث، تم اشراك مختلف ادارات واجهزة الدولة الرسمية (الصحة والأشغال والاقتصاد والتربية والتعاونية وغيرها) بالاضافة الى الأجهزة الأمنية والعسكرية (الجيش اللبناني وقوى ألأمن الداخلي) والمؤسسات الاغاثية (الصليب الأحمر والدفاع المدني وفوج الاطفاء والبلدية) فضلا عن هيئات ومؤسسات من المجتمع المدني (مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة).
للوهلة الأولى، اعتقد كثيرون ان ما يجري هو واقع، خاصة بعدما قطعت طريق البولفار البحري الذي يربط شمال صيدا بجنوبها، وبعدما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية المحلية اخبارا عاجلة وعناوين وصورا لما قالت انه «جثث قتلى» و»جرحى« و»دمار» على واجهة صيدا القديمة. ثم اخذ المشهد يكتمل. حيث ضرب الجيش اللبناني طوقا امنيا حول المكان وقام بعزل المنطقة بعدما نفذ انتشارا واسعا في محيطها، ودخلت الموقع دوريات معززة من مختلف قطعات قوى الأمن الداخلي لتفتح الطريق امام هيئات الاغاثة وفرق الانقاذ للوصول الى المناطق التي تلقت الآثار المباشرة للهزة. بدأت عمليات انقاذ فعلية لمواطنين وطلاب محاصرين ومحتجزين في مبان او مدارس او داخل سيارات، واخلاء لجرحى وانتشال لغرقى ونقل لجثث واخماد سيارات محترقة في المنطقة الممتدة من مدخل مرفأ المدينة وحتى محيط ثانوية المقاصد قبالة خليج اسكندر. في باحة قريبة من ذلك المكان، نصب الصليب الأحمر مستشفى ميدانيا قام بتقسيمه الى وحدات رمزية بحسب خطورة كل حالة ترد اليه، بينما تحولت الحالات الشديدة الخطورة مباشرة الى المستشفيات بواسطة سيارات الاسعاف. في هذا الوقت كان الدفاع االمدني يعمل لاخلاء طلاب حوصروا في مدرستهم وانزالهم بواسطة «الرابيل»، بينما عملت بحرية الجيش ووحدة الانقاذ البحري في الدفاع المدني على انتشال سياح غرقى قبالة قلعة البحر، واستنفر فوج اطفاء ومتطوعو بلدية صيدا في اخماد الحرائق المندلعة هنا وهناك ايضا بمؤازرة من الدفاع المدني، وعملت فرق البلدية على مسح الأضرار ورفع ما امكن من الأنقاض والركام، وعملت الشرطة القضائية والادلة الجنائية على معاينة الجثث تحت اشراف القضاء المختص. وتولت مؤسسة الحريري للتنمية تقديم الدعم اللوجستي والبشري لعمليات الاغاثة.
اشرف على المناورة الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع رئيس اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث اللواء محمد خير والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي روس ماونتن وممثل السفارة السويسرية المستشار الاول للسفارة تشاسبر ساروت ومحافظ الجنوب منصور ضو ومسؤولة وحدة ادارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة الحكومة سوسن بو فخر الدين. وحضرها: النائب بهية الحريري، قائد منطقة الجنوب الاقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد سمير شحادة، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، مسؤول غرفة عمليات الدفاع المدني المركزية جورج بوموسى، وممثلو الاجهزة الامنية والعسكرية والاغاثية المشاركة ومسؤولو ادارات الدولة العاملة في الجنوب.
غرفة عمليات
وسبق المناورة اطلاق غرفة العمليات المشتركة لإدارة الكوارث في قاعة رفيق الحريري في سراي صيدا الحكومي بحضور النائبين الحريري وميشال موسى وفاعليات. واستهل المحافظ ضو اللقاء بكلمة اشار فيها الى ان ما يميز المناورة، انه وللمرة الاولى يتشارك المدنيون مع العسكريين في ادارة ازمة فيتشاركون غرفة العمليات ويخططون ويعدون وينفذون برامج وخططا. وقال: ما تم تحقيقه لم يكن ليحصل لولا الجهود الجبارة التي قامت بها وحدة ادارة مخاطر الكوارث، متوجها بالشكر الى فريق العمل والى اللواء خير واعضاء اللجنة الوطنية لادارة الكوارث مدنيين وعسكريين. ونوه بجهود النائب الحريري في اعادة الحياة الى قاعة رفيق الحريري في سراي صيدا بتأهيل هذه القاعة لتصبح مقرا لغرفة عمليات المحافظة شاكرا اياها على كل التسهيلات والادوات التي وضعتها في خدمة انجاح هذا العمل. كما شكر برنامج الامم المتحدة الانمائي على ما قدمه من تجهيزات ومفروشات، ومدينة صيدا وبلديتها وجمعياتها الاهلية كافة على الدعم الذي وفروه لانجاح هذه المناورة. وخص بالشكر مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة وشركة جينيكو بشخص رئيسها السيد شفيق الحريري.
واعتبر ممثل برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP روس ماونتن ان هذه المناورة الميدانية نتيجة شراكة بين البرنامج والحكومة اللبنانية في اطار خطة العمل لتعزيز قدرة الحكومة اللبنانية على التخفيف من مخاطر الكوارث. وقال: نعلم جيدا ان الكوارث كتلك التي سوف نتمرن عليها اليوم لن تحصل ابدا، لكن هذه المناورة مهمة جدا خاصة في ظل الازمات التي يمر بها لبنان لانها تمهد الطريق نحو تعزيز القدرات على الاستجابة وعلى تجنب هكذا ازمات. ومن الممكن ان نخفف من هذه الازمات ان كانت استجابتنا موحدة وفعالة. وجدد حرص برنامج الامم المتحدة الانمائي على دعم لبنان في تحقيق الاهداف الانمائية وعبر الجهود المشتركة مع الحكومة اللبنانية والمجتمع المدني ومنها مجال التخفيف من مخاطر الكوارث وادارتها. وختم بشكر رئاسة الوزراء وكل الوكالات المشاركة ولا سيما الوكالة السويسرية للتنمية والحكومة الالمانية على دعمهما المتواصل وكل الخبراء والشركاء وكل من ساهم في وضع الخطة الوطنية وفي انجاح هذه المناورة .
ورأى ممثل السفير السويسري في لبنان فرنسوا باراس أن هذه المناورة تؤكد جهوزية لبنان في تطبيق التزامه للخطة الدولية لتعزيز قدرة الاستجابة للكوارث. وقال: كانت سويسرا نشطة في مجال التخفيف من مخاطر الكوارث لعدة سنوات على المستويات العالمية والاقليمية والوطنية وايضا الدول النامية الاكثر عرضة للكوارث وذلك عبر الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. وفي لبنان تعمل الوكالة السويسرية على دعم الحكومة وتعزيز قدراتها لتوفير قاعدة لتطبيق الخطط الوطنية للتخفيف من مخاطر الكوارث ومثال على ذلك مشروع تعزيز قدرات الحكومة اللبنانية على ادارة مخاطر الكوارث الذي يتم تطبيقه في مكتب رئاسة الوزراء وعبر برنامج الامم المتحدة الانمائي.
واعلن الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع رئيس اللجنة الوطنية للكوارث اللواء محمد خير انه لغاية تاريخه تم تدشين غرفتي عمليات في محافظتي الشمال والجنوب وغرف عمليات في وزارات: الشؤون الاجتماعية والتربية والزراعة، وتحديث غرفة ادارة الازمات في مطار رفيق الحريري الدولي وذلك تطبيقا للخطة الوطنية للاستجابة حيث تم تطوير خطة قطاعية وخطط مناطقية للمحافظات والاقضية واتحاد البلديات وبهدف اختبار هذه الخطط تم تنفيذ تمرين على الخطة الوطنية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وتمارين مكتبية في كل من محافظتي الشمال والجنوب ووزارات التربية والشؤون الاجتماعية والزراعية. وقال: اما ميدانيا فقد نفذت اللجنة تمارين حول خطة استجابة المطارات في كل من مطار رفيق الحريري الدولي ومطار رياق العسكري وتمرين اخر في قضاء جبيل واليوم تنفذ تمرينا ميدانيا لمحافظة الجنوب. وثمن جهود النائب بهية الحريري و»متابعتها الدؤوبة معنا ومع المعنيين منذ شهد الجنوب هزات ارضية في فترات سابقة من اجل التوصل الى خطة لادارة الكوارث». واضاف: نحضر تمارين ونسعى لوضع خطة لهكذا ازمات ونتابع بها ولا نقف عند حد، لنصل الى ان يكون لكل لبنان هذه الخطة المميزة والناجحة.
وقدمت المستشارة التقنية لوحدة الحد من مخاطر الكوارث في رئاسة الحكومة سوسن ابو فخر الدين عرضا عاما حول المخطط التنفيذي والخطوات اللاحقة لاستكمال الخطة. كما قدم كل من المقدم ياسر العيراني عن قيادة الجيش اللبناني والمقدم حسين عسيران عن قيادة قوى الامن الداخلي ونبيل صالحاني عن الدفاع المدني ومصطفى حجازي عن بلدية صيدا وجاد الاشقر عن الصليب الاحمر اللبناني محاكاة نظرية للمهام المفترضة لكل من هذه الأجهزة في حال حصول هزة ارضية وتسونامي. وهي نفسها المحاكاة التي تم تطبيقها في المناورة التي نفذت على واجهة صيدا البحرية .