ماجد حمتو: المنطقة كانت بحاجة إلى مركز لمعالجة المدمنين على المخدّرات
مدمن يروي تجربته المريرة.. وينصح بالعلاج قبل فوات الأوان
ثريا حسن زعيتر:
بات انتشار تعاطي المخدّرات في أحياء صيدا القديمة وخصوصاً “الهيروين” بشكل واسع، يشكّل خطراً على جيل الشباب، خاصة في هذه الأيام، بعدما انتشرت سابقاً آفة حبوب الهلوسة…
وقد انعكست هذه الآفة الخطيرة على حياة المدمنين وعوائلهم ظروفاً صعبة، إذ لطالما ترافقت مع البطالة وانعدام فرص العمل، حيث شكّلت الإحصائية حول الإدمان وتعاطي المخدّرات والترويج لها في صيدا والجنوب صدمة لدى الأوساط السياسية والإجتماعية، إذ أخذت هذه الآفة بالتغلغل في المدينة والتسلّل إلى صفوف أبنائها واختراق جيل الشباب…
وقد رفع أهالي صيدا الصوت عالياً خوفاً على أولادهم من هذه الظاهرة بعدما تبدّل المشهد رأساً على عقب، فالصوت الخافت الذي كان يتحدّث عن انتشار ظاهرة الإدمان وحبوب “الهلوسة”، بدأ يعلو ويكشف عن ضياع عدد كبير من جيل الشباب، بعدما تبيّن انخفاض عمر المدمنين على المخدّرات، إذ يزداد عدد المدمنين من الفئة العمرية ما دون 14 عاماً وهو أمر خطير، فهذا يعني أنّ هذه الفئة التي من المفترض أنْ تتجهّز لتصبح منتجة، تصبح رويداً رويداً مشكلة اجتماعية وعبئاً اقتصادياً، ويدعو في ذات الوقت إلى إيجاد حل يتكامل بين الاهتمام الرسمي والشعبي والمؤسّساتي والقضائي الأمني، لأنّ الإدمان لا يُنظر إليه من ناحية العقاب، كون قانون التعاطي يلحظ ضرورة عرض الحالات على مجلس طبي متخصّص لتلقي العلاج، لكن مثل هذه المرجعية غير موجودة، فيقدّم التوقيف جزءاً من الحل لكن يبقى العلاج…
“لـواء صيدا والجنوب”، يُسلّط الضوء على مشروع مكافحة الإدمان في مدينة صيدا والجوار، الذي يلعب دوراً مهماً في توعية جيل الشباب في المدارس والعلاج لمَنْ يقصدهم من المدمنين بعدما أسّس مركزاً خاصاً للإدمان لمعالجة المدمنين ومتابعتهم اجتماعياً، وصولاً إلى دمجهم في المجتمع مجدّداً…
تجربة… وندم
* جلس “ع. ب” وهو ينظر إليَّ بعينيه الحزينتين، يتذكّر مسيرة حياته التي كانت مليئة بالحزن… لأنّه لم يتمتّع بأيامه مثل الآخرين، ولم يعش حياته الطبيعية مع عائلته، اليوم كبروا أولاده وهو يتحسّر على كل شيء بعد انحرافه من شرب الكحول إلى تعاطي المخدّرات.
وقال “ع. ب” والندم والحسرة في وجهه: “بدأتُ أتعاطى الكحول وأنا في سن الـ 14 عاماً، والآن عمري 50 عاماً، لقد مضى العمر سريعاً دون أنْ أقوم بشيء مُجدٍ، إذ بدأتُ أشرب الكحول “البيرة” و”العرق” و”الويسكي” في العام 1980، وبعد عام أصبحت أتناول “الحشيشة” بسبب حشرية المعرفة التي تودي إلى الهاوية، وبسبب أصحاب السوء والشباب الأكبر سنّاً الذين كنت أرافقهم”
وأضاف: “تطوّرت حالتي كثيراً وأصبحتُ أتناول “الهيروين” و”الكوكايين” و”الحبوب المخدّرة”، إلا الإبر لم أجرّبها، وكنّا نذهب إلى منطقة البقاع لإحضار “الهيروين”، وبقيت أتعاطاها لمدة 25 سنة، وهذا التعاطي أثّر على حياتي كثيراً، امتنعت عن تعاطيها لمدّة سنتين وتزوّجت، لكن عدتُ للحشيشة وبقيتُ عليها سراً، وكنتُ محافظاً على وضعي داخل المنزل ولم أكن عصبياً، ومستتراً على حالتي، وعندما أصبح وضعي سيئاً، أصبحتُ أريد أكثر وبقيت مدّة طويلة على هذه الحالة”.
وأردف: “سبّبت حالتي لي مشكلة كبيرة داخل منزلي ومع زوجتي وأولادي، أصبحتُ أشعر بالإحراج، وهذا الشيء كان من المفترض أنْ أفكّر به من الأول، وللأسف كل ما كنتُ أجنيه من عملي أدفعه لشراء المخدّرات، ولم يعد يكفي فأصبحت أروّج المخدّرات لأنّني بحاجة للمال”.
لكن “ع. ب” تنبّه بعد سنوات طويلة إلى أن استمرار السير في هذا الطريق يؤدي إلى تدمير نفسه وعائلته، فاستدرك، وقال: “عندما فكّرتُ بعائلتي والخوف من خسارتها، وعرفتُ أنّ هناك مركزاً في صيدا لمعالجة المدمنين، قرّرت أنْ أتعالج وعندما بدأتُ في المركز الأول، وجدتُ صعوبة، لكن مع العلاج والدواء والوقت تحسّنتُ كثيراً، وابتعدتُ عن رفاقي الذين كانوا يتعاطون، وأنصح كل الذين يتعاطون بأنْ يتعالجوا”.
وأوضح “لم أفكّر يوماً في السجن أو القانون، وأنا عندما كنتُ أتعاطى لم يكن هناك مراكز للمعالجة، أما الآن هناك مراكز، ومَنْ يوقف بتهمة التعاطي يأخذونه للمعالجة، لكن في الماضي لم يكن هذا القانون موجود، وكان الذي يتعاطى هو مجرم فقط”.
وختم: “أوجّه كلمة للشباب وخاصة الجيل الصاعد، وأقول لهم أنا بدأتُ بشرب الكحول وبعدها الحشيشة وهذا كله إدمان، وأنصح بألا يأخذ أي حبة دواء لا يعرف ما هي، لأنّها ممكن أنْ تكون “حبة الهلاك”، والأخطر اليوم هو الجيل المراهق بين 13 و14 سنة، جيل الانفتاح والإنترنت والتواصل وجلسات المقاهي”.
مجلس.. ومركز للعلاج
* أمين سر “المجلس الأهلي لمكافحة الإدمان” ماجد حمتو قال: “انطلقت فكرة إنشاء المجلس الأهلي لمكافحة الإدمان مع شعورنا بتزايد هذه الآفة الخطيرة وزيادة مخاطرها على جيل الشباب، وبالتالي لأنّ المنطقة بأمسّ الحاجة إلى مركز لمعالجة المدمنين على المخدّرات، انطلاقاً من صيدا وجنوباً، إذ لا يوجد مركز لمعالجة المدمنين، لكن على مستوى لبنان هناك مراكز تابعة لوزارة الصحة أو مراكز تابعة للقطاع الأهلي”.
وقال حمتو: “هذه الظاهرة باتت تشكّل خطراً كبيراً على المجتمع، والإدمان لا يفرّق بين كبير وصغير، بين لون أو جنس، وقد أصبحت المخدّرات تتسلّل كل المنازل دون استئذان، حيث لاحظنا تدنّي الأعمار، وهذا الشيء خطير جداً، لذلك توجّهنا للمدارس نتيجة بروز نتائج لدينا أنّ هناك أعدادا كبيرة من الأعمار الذي هم بسن طلاب المدارس يتعاطون المخدّرات بسبب انتشار المروّجين على نطاق واسع، واستعمال المغريات أحياناً وبالخداع أيضاً عندما يضعونه في “البونبون” أو بالعصائر والمشروبات الذي تُغري الطالب الذي يكون تحت سن الرشد، وبالتالي يصبحون في طريق تعاطي المخدّرات وصولاً للإدمان، لذلك هناك أعمار صغيرة يتعاطون المخدّرات وبمختلف أشكالها مثل حشيشة، هيروين أو حتى حبوب كلّه يدخل ضمن إطار المخدّرات”.
وأضاف: “من خلال جولاتنا على المدارس، ومن تكرار نوع الأسئلة التي تُطرح علينا نستطيع أن نعرف إذا كان هذا الشخص يتعاطى أو لا، إضافة إلى ذلك توجد مظاهر للذي يتعاطى مثل: شحوب الوجه، اصفرار بياض العين، توسّع حدقة العين، وبعض الحركات اللاإرادية، وهناك معطيات معينة ممكن أنْ نشاهدها ونعرفها، وبنفس الوقت يسألون ربما يكون لديهم أشخاص من العائلة أو البيت أو الأصدقاء يتعاطون، حتى يعرفوا عن مكان العلاج أو ما هي المظاهر التي تظهر، لذلك كان لا بد من إيجاد حل لهذه الآفة، وهو افتتاح مركز في صيدا عام 2012، كذلك هناك مشروع لإنشاء مركز متخصّص لمعالجة المدمنين على المخدّرات وإعادة تأهيلهم وهو مركز مقيم”.
وتابع حمتو: “المخدّرات اعتداء مباشر على كل الناس بدون تمييز إذا كان غنياً أو فقيراً، إذا لديه مشاكل أو لا، بتجربتنا يوجد لدينا من كل المستويات وهناك أشخاص لديهم مشاكل وفي ناس ليست لديها أي مشكلة، لا يوجد مقياس واحد هناك مجموعة من الأسباب والمقاييس التي تدفع الإنسان عنوة نحو الذهاب إلى عالم المخدّرات، في المقابل هناك أشخاص فقراء ولديهم مشاكل، لكنهم لم يكونوا مدمنين على المخدّرات، لذلك الواقع الاجتماعي والبيئة الحاضنة لهذه المخدّرات هي التي تفرض على الشخص الإدمان، والبطالة وقلّة فرص العمل وعدم وجود مساحات آمنة، وعندما يكون للشخص وقت فراغ ممكن أن يعمل أي شيء ويجرّب كل شيء وهذه خطورة التجربة، وإذا لم يكن هناك أي سبب، ندرك أنّ الإدمان هو مرض مثل أي مرض آخر”.
وأردف: “المركز الوقائي الاجتماعي يستقبل ويقدّم خدمات كاملة تبدأ من العلاج النفسي، إلى المتابعة الاجتماعية للعلاج الجسدي مع تقديم الأدوية للمتابعة القضية للمدمنين… وهناك برامج للتوعية ضمن برنامج ناشط إسمه “عيشا بلا دوز” للسنة الثانية ننفّذه بالتعاون مع جمعيات صديقة لنا وفريق من المتطوّعين ومن أبناء الرعاية، وبطريقة ناشطة جدا نعرض فيلما تسجيليا في شهادة حياة، وهناك حوار تفاعلي مع الطلاب وتوجد مسابقة لطلاب الثانويات والجامعات لنقدّم أفضل فكرة حول مكافحة والتوعية على مخاطر المخدّرات وهناك مجالات ومساحات مفتوحة للطلاب لينخرطوا بالتعبير عن دورهم بكيفية مكافحة أو توعية المخدّرات، وكيفية تعاطي الأهل مع أولادهم المدمنين وكيف تكون علاقتهم مع الإرشادات والتوجيهات كي يحموا أولادهم من الوقوع في فخ الإدمان، وهذا البرنامج كبير ومتنوّع ويطال كل أفراد الأسرة ومشاكلهم بشكل متخصّص ومهني وبشكل متواصل بالمركز وعبر الزيارات الاجتماعية التي تقوم بها المُساعِدة الاجتماعية للعائلات المستهدفة بهذا الموضوع”.