ماجد حمتو: إطار يجمع 46 مؤسسة لبنانية وفلسطينية ضمن شراكة ناشطة
إنموذج يحتذى في العمل والتعاون رغم تعدد الإنتماءات السياسية والدينية
يُشكل عمل “تجمع المؤسسات الأهلية” في منطقة صيدا حالة فريدة من التعاون البنّاء، حيث يضم نسيجاً متنوعاً من المؤسسات الأهلية اللبنانية والفلسطينية العاملة في المنطقة، والتي تشكل أنموذجاً يحتذى في الإبتعاد عن المصالح الضيقة لعمل تنموي جامع·
هذا التجمع بمؤسساته الـ 46، انطلق تلمساً لحاجات أهالي المنطقة بعد الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما تلاه من اعتداءات متلاحقة، كان أخرها عدوان تموز 2006، ليصبح الإطار الجامع للمؤسسات الأهلية في منطقة صيدا، رغم تعدد انتماءاتها السياسية والدينية، وهي السمة المميزة لعاصمة الجنوب في احتضانها لكل صاحب قضية أو حاجة·
وتوسع عمله الإغاثي الى العمل التنموي من خلال التصدي لظاهرة عمالة الأولاد والتسرب المدرسي ومكافحة الإدمان، اضافة الى اطلاق برامج جديدة للكشف المبكر عن سلامة النظر والعين لطلاب المدارس، ومتابعة ورش العمل التدريبية للعاملين في الحقل الأهلي وبناء شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني العربية والدولية·
“لـواء صيدا والجنوب” التقى أمين سر التجمع ماجد حمتو للوقوف على آلية العمل والمشاريع التنموية التي يقوم بها التجمع··
كان للتجمع دور بارز خلال الإعتداءات الإسرائيلية على الجنوب من خلال العمل المشترك، فكيف كانت الإنطلاقة؟
– انطلق “تجمع المؤسسات الأهلية” نتيجة حاجة لدى الناس في المدينة، وخصوصاً إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام 1982، فكان لا بد من العمل في المجال الإغاثي وتقديم الخدمات الطبية عبر المؤسسات بشكل منفرد، ثم إنطلق العمل المشترك في العام 1985 عبر 6 مؤسسات حملت اسم “هيئة تنسيق المستوصفات”·
وكان العمل يرتكز على الإغاثة، ولكن مع العدوان الإسرائيلي الواسع في تموز من العام 1993 على جنوب لبنان، تحركت جميع المؤسسات في صيدا، وتم تسيير سيارات الإسعاف بإتجاه الجنوب، فتعزز العمل المشترك، ومنذ ذلك الحين أخذ أسم “تجمع المؤسسات الأهلية” في منطقة صيدا·
وبعد ذلك بدأ العمل على الشق التنموي، ولكن دون اغفال الشق الإغاثي الذي كان للتجمع دور بارز فيه خلال عدوان العام 1996، حيث كان لمدينة صيدا دور كبير في احتضان أهلنا من جنوب لبنان عبر الإستفادة من امكانيات الجمعيات رغم تواضعها، وكبر عدد المؤسسات المنضمة للتجمع، والتي وصلت الى 23 مؤسسة عام 1993، ثم الى 38 مؤسسة في العام 1996، والآن أصبحت 46 مؤسسة لبنانية وفلسطينية·
وواصلنا العمل الإغاثي والإجتماعي والتربوي، انطلاقاً من احتياجات المجتمع، حيث قمنا بإجراء مسح للمنطقة، وتبلورت النقلة نحو التنمية بعد العام 1996 عبر دراسة لوضع الأطفال العاملين في مدينة صيدا·
التصدي لعمالة الأولاد
ما هي الإنجازات التي تحققت في موضوع عمالة الأولاد؟
– في العام 1999 أنجزنا الدراسة عن عمالة الأولاد، وبناء عليها وضعنا مشروعاً مع <منظمة اليونيسف> لمدة 3 سنوات تناول 3 محاور:
– الأول: علاجي·
– والثاني: وقائي·
– والثالث: المتابعة·
ونفذنا في المحور الأول برنامج التدريب المهني المعجل للأطفال العاملين بالتعاون مع “اليونيسيف”، ثم “جمعية ماب” و”سيلس” و”جمعية الأوكس فون”، وهو برنامج متكامل يستهدف التدريب المهني المعجل للأطفال وبناء سلوكهم واعادة تأهيل شخصيتهم، والتقوية المدرسية، لأنه تبين أن السبب الرئيسي للعمالة هو التسرب المدرسي، فنفذنا برنامج التقوية المدرسية على مدى 3 سنوات للتقليل من عدد المرشحين للتسرب، اضافة الى نادي الصديق للطفل العامل·
وكان يترافق مع ذلك مجموعة من الأنشطة الترفيهية، لأن الهدف رفع مهارة الطفل العامل وليس اعداد أطفال عاملين جدد بناء لسوق العمل وحاجاته، وبالتالي تحسين وضعه الإقتصادي والإجتماعي عبر الأنشطة التي تستهدف اعادة الثقة بنفسه واعطائه ثقافة لها علاقة بحقوق العمال والعلم النقابي واحترام الأخر والتواصل، وهي مهارات يتعلمها الطفل العادي في المدارس، فيما يُحرم منها الطفل العامل، اضافة الى البرنامج الثقافي الخاص بالرحلات الإستكشافية وزيارة أماكن الترفيه أسوة بأبناء جيله، حيث يستهدف البرنامج دمج الأطفال العاملين بالمجتمع دون الشعور بالدونية أو الإختلاف عن الأطفال العاديين·
الصحة والآفات الإجتماعية
ما هي البرامج التي يعمل عليها التجمع حالياً؟
– ترافق برنامج التدريب المهني المعجل مع البرنامج الصحي من خلال الكشف على الطلاب، مما جعلنا نقر حالياً “برنامج سلامة النظر والعين”، لأننا اكتشفنا أن هناك العديد من الحالات التي تسربت من المدارس بسبب ضعف النظر، لأن الأهالي وادارة المدرسة لا يتنبهان لهذا الموضوع، وبالتالي كانت المدرسة اضافة الى طريقة الإدارة اليومية للمدرسة، مخيفة للطالب·
ونحن أقرينا برنامج التقوية المدرسية مساءً داخل نفس المدرسة، حتى تبقى للطالب مكاناً محبباً، فالطلاب الذين كانوا يتغيبون عن المدرسة صباحاً يأتون مساءً بسبب الأسلوب الناشط في التعليم، وهو ما أوضح الخلل لإدارات تلك المدارس·
وكما هو معلوم، فإن وحدة الصحة في وزارة التربية متعاقدة مع “نقابة الأطباء” لإجراء كشف على طلاب المدارس، ولكن الذي أطلق هذه الفكرة هو القطاع الأهلي، ونحن مع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، ولكن القطاع الأهلي هو الأقدر على التحرك، فسنقوم بهذا البرنامج لجميع المدارس الرسمية، وفي كل المراحل الأولى والثانية وصولاً الى المرحلة الثانوية، والإهتمام بالمدارس الرسمية بالدرجة الأولى لأنها تضم العدد الأكبر من الطلاب وهي أكثر حاجة، ولكن ليس لدينا مانع من الدخول الى المدارس الخاصة اذا وافقت اداراتها، وسننسق مع المنطقة التربوية في الجنوب ووحدة الصحة في وزارة التربية عبر برنامج بالشراكة مع بلدية صيدا وكل مؤسسات التجمع·
وكذلك برنامج مكافحة الإدمان”، حيث هناك تزايد لهذه الظاهرة يوماً بعد أخر، دون أن يكون لها حلول، وسينقسم الى وضع قوانين وارشادات للوقاية من المخدرات، اضافة الى برنامج لتدريب العاملين في المؤسسات الأهلية حول آلية التعاطي مع المدمنين، وصولاً الى برنامج لعلاج المدمنين عبر “المجلس الأهلي لمكافحة الإدمان”، الذي يضم تركيبة المجتمع المحلية في مدينة صيدا، وله هيئة ادارية مؤلفة من: “الهيئة الإسلامية للرعاية”، بلدية صيدا، “تجمع المؤسسات الأهلية”، “جمعية تجار صيدا وضواحيها”، “رابطة الأطباء”، “رابطة الصيادلة” و”اتحاد العمال والمستخدمين” في صيدا والجنوب·
ونتوجه لشراكة مع القطاع الرسمي والخاص، لأن الشراكة هو هاجسنا، حيث لا يمكن لأي عمل تنموي أن ينشط إلا من خلال هذه الشراكة، اضافة الى التعاون مع عدد من المؤسسات في لبنان مثل “جمعية العناية الصحية”، “شبيبة ضد المخدرات”، “أم النور” للمتابعة في العلاج واعادة التأهيل والتدريب·
هذا اضافة الى مشروع مكافحة السيدا، بالتوجه للفئة المعرضة للإصابة وهم الشباب عبر القيام بتوعيتهم، وكذلك الى الرجال العاديين والنساء في حال تعدد الزوجات أو شيء مماثل، والى الفئة الأكثر عرضة، وهم الذين يعيشون مع حالات مرضية أو يتعاطون المخدرات من خلال الحقن وعاملات الجنس ومثليي الجنس، والعمل معهم هو ليس لتشريع تصرفاتهم، ولكن إذا لم نكن قادرين على وضع حد لهذا العمل على الأقل يجب حمايتهم وحماية المحاطين بهم من الإصابة·
التدريب والشراكة
ماذا عن دور التجمع في التدريب والمشاركة في ورش العمل التنموية؟
– نحن نعمل على تطوير التجمع وميثاق الشرف بين الجمعيات واقرار الصورة النهائية له من خلال الترخيص من وزارة الداخلية، كما نعمل على تدريب العاملين في المؤسسات لتمكينهم عبر الدورات وورش العمل التدريبية على مستوى القيادة وكذلك العاملين، ومشاركته في المؤتمرات الدولية والعربية، منها “مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة” في جوهانس برغ، “المنتدى الإجتماعي للمنظمات الأهلية” في اسكوتلندا، اللقاء مع المجموعة الفرنسية في “الإتحاد الأوروبي” في بروكسل، “المنتدى الإجتماعي” في الهند، و”المنتدى الإجتماعي” الذي سيعقد قريباً في الدوحة·
والتجمع هو عضو في “الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية”، و”شبكة الأطفال في حالة خطر” في البحر الأبيض المتوسط، كما شاركنا بوضع استراتيجية عربية بالتعاون مع “جامعة الدول العربية” حول استراتيجية الحد من عمل الأطفال في المنطقة العربية·
ما هي الكلمة التي تود توجيهها بالمناسبة عبر جريدة “اللـواء”؟
– أتوجه بالشكر الى بلدية صيدا التي تدعم عمل المؤسسات الأهلية من خلال الهبة الإسبانية التي قدمتها للقطاع الأهلي، والى الجمعيات الأهلية في صيدا التي تشكل حالة مميزة على صعيد لبنان من خلال عمل الشراكة رغم التنوع السياسي، فهو يمثل النسيج الإجتماعي للمدينة بكل فئاته الفكرية والسياسية والدينية، حيث يتم العمل بعيداً عن الإنتماءات السياسية بهدف التنمية، وهو أمر اعتز به·
هذا اضافة الى ضمه المؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني كأعضاء أساسيين في التجمع، وهم أعضاء في أمانة السر، فالشكر للفلسطينيين لمشاركتهم في العمل الإجتماعي اللبناني تماماً على نفس المستوى للعمل الفلسطيني وهي ميزة لمدينة صيدا بأنه لا فرق للعمل ضمن اطار المخيم أو في المدينة·
لقاء نشر في جريدة اللواء