قبل سبع سنوات، حُكم على شاب لبناني بالسجن لمدّة ثمانية عشر عاما. يومها، كان في العشرين من عمره. ارتكب ما ثمنه عقدين من الزمن يمضيها خلف القضبان.
اليوم، وقد أضحى في السابعة والعشرين، يستعدّ الشاب «للتخرّج»، والحصول على شهادة جامعيّة في التاريخ ـ قسم العلاقات الدولية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف.
كأن جسده وحده كان يمضي الحكم خلف القضبان، أما فكره، فقد تحرر من زنزانته في سجن رومية المركزي، ومضى يبحر في العلم على امتداد السنوات الأربع الماضية.
واليوم السبت، عند الحادية عشرة والنصف صباحا، يختبر الشاب الحرية لمدة ساعتين من الزمن، لمّا يتوجه إلى حرم العلوم الطبية في الجامعة ليسلّم شهادته في حفل يحضره أهل الطالب وأصدقائه ووزير الداخلية زياد بارود.
وتقيم الجامعة اليوم احتفال تخرج الطالب الاستثنائي إيلي بودجق بعدما تمكنت من تحقيق الحدث الفريد من نوعه المتمثّل بالسماح لمحكوم للخروج من سجنه لاستلام شهادة جامعية قبل أن يعود لإنهاء سنوات محكوميته.
وكانت جمعية «عدل ورحمة» هي المبادرة إلى مساعدة السجين على تحصيل شهادته الجامعية ضمن نهجها الأساسي المبني على التعامل مع السجناء على جميع المستويات الصحية والنفسية، وبهدف إعادة تأهيلهم، في حين أخذت جامعة القديس يوسف على عاتقها، عبر دائرة الخدمة الاجتماعية التابعة لها، مواكبة السجين وتأمين دروسه الجامعية على يد أساتذتها الذين تنقّلوا بين بيروت ورومية على امتداد السنوات الأربع لمساعدته على تحصيل علمه.
ويرى رئيس جمعية «عدل ورحمة» الأب هادي العيّا أنه «من الضروري إعطاء الفرصة للسجناء الشباب للتفكير بطريقة منطقية وتأمين المعطيات الصحيحة لهم لعدم الفشل مجدّدًا»، معتبرا أن «السجن يجب ألا يشّكل عازلا نهائيا للسجين الذي يمكنه الاندماج في المجتمع من خلال دراسته».
ويشرح أن الجمعية كانت قد اتخذت مبادرات مماثلة مع جامعة سيدة اللويزة ، ثم تعاونت مع القديس يوسف وتحديدًا مكتب دائرة الخدمة الاجتماعية الذي تكفّل بمصاريف الدراسة.
ويلفت الى أن قرار السجين الشاب بمتابعة دراسته يعود إلى تشجيع والدته التي «أخرجته من عالم السجناء»، معتبراً أن الشهادة ستؤمِن له « الحماية لاستيعاب وضعه وتعزيز ثقته بنفسه».
ويؤكدّ العيا أن «الجمعية اختارت أن يعلّم الخريج السجين في المدرسة التي تنوي الجمعية افتتاحها قريبًا في سجن رومية، وتتضمن ثلاثة صفوف يستقبل كل صف منها نحو عشرين سجينا».
وكانت الجمعية قد أطلقت مشروع التعليم مع كبار السن من خلال برنامج «محو الأمية»، ثم ركّزت على فئة الشباب لتعلمهم اللغات وتساعدهم على تحصيل شهاداتهم عن بعد».
إلى ذلك، تشرح المديرة المساعدة لدائرة الخدمة الاجتماعية في جامعة القديس يوسف روزي رحمة أن « فكرة تكفّل دراسة السجين قد بدأت في العام 2001 حين تابع أحد طلاب الجامعة دراسته من داخل السجن، لكن أُطلق سراحه قبل موعد تخرجه».
وتلفت إلى «أن هذا الاختبار جاء كبداية تمهيدية لقبول طلب السجين الذي يتخرّج اليوم بعد موافقة رئاسة الجامعة على متابعة دراسته من داخل السجن وترحيب الأساتذة بالفكرة».
تضيف رحمة انه « في العام 2006 سجَل السجين مادتين لاختبار قدرته في التعلم عن بعد، إلا أنه سرعان ما أثبت قدرته على استيعاب المواد ودراستها من وراء القضبان. فتولّت مرشدة من المكتب بمرافقة أستاذ من القسم التابع لاختصاص السجين زيارته لاختيار مواد الفصل، ثم أمّن المكتب كل ما يحتاجه السجين خلال الفصل، وكان يمتحن في المواد تحت إشراف أستاذ تنتدبه الجامعة».
وتشدّد رحمة على أن المستوى الأكاديمي للسجين «لا يختلف عن أي طالب في الجامعة». لذلك ستنزل الجامعة، من خلال المكتب، عند رغبة السجين الذي ينوي متابعة الدراسات العليا لنيل الدكتوراه.
من جهتها، تؤكد مديرة دائرة الخدمة الاجتماعية كرمل غفري واكيم على أن فكرة تكفّل دراسة السجين « تتلاقى مع قناعة المكتب بشرعية حقوق الإنسان وخصوصًا البند المتعلق بحق الإنسان بالتعلم رغم كل العوائق». وتشير إلى أن « التجربة لم تكن سهلة، مشيدة بتعاون جمعية «عدل ورحمة» التي ساعدت على تأمين إذن الزيارة.
وتتوقع واكيم أن تفتح الفكرة المجال للعديد من السجناء لمتابعة دراستهم من وراء القضبان.