ان سمة الألفية الثالثة للتحولات في الشرق ،هي بين نظريتين ، الأولى : الصراع بين مشروعين للسيطرة على المنطقة ،الأمريكي الاسرائيلي المهيمن والايراني السوري الممانع !! . والثانية : الحراك الشعبي من المحيط الى الخليج تحت شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية ، وما شعار الشعب يريد اسقاط النظام الا واحد من نتائجه . وما بين النظريتين ، من تقاطع للمصالح حيث تقضي الحاجة . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، الاتفاق الايراني الأميركي غير المعلن في افغانستان والعراق تارة ، وتناقضها في الملف النووي وفي سوريا ولبنان وفلسطين تارة أخرى .
فالشعار الأميركي الأساسي كان وسيبقى أمن اسرائيل فوق كل اعتبار . وهذا ما جاء على لسان الرئيس أوباما في خطابه الأخير ،والذي أتحفنا بنظرياته حول التحولات التاريخية و “دعم أميركا لحركات التحرر” في معظم الدول العربية ، ليتوقف هذا الدعم عند أبواب فلسطين وأمن اسرائيل . أهي سذاجته أم طوباويته المقدسة أم هو انتقاص من عقولنا ،عندما يتكلم عن الديمقراطية والحرية والكرامة ، بينما قواته وشركاته الامنية ، ما زالت تعيث فساداً وقهراً ودماراً في العراق وافغانستان . واسرائيل ما زالت تحاصر غزة وتبني المزيد من المستوطنات اضافة الى رفضها المطلق والمعلن دائماً لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة غير متعسكرة حتى ، حسب ما جاء في خطاب أوباما الاخير .
نعم ، المنطقة قادمة على تقاسم جديد قديم بين اللاعبين ،تركيا وايران واسرائيل بغطاء دولي وأميركي بالتحديد ، لابعاد روسيا والصين عن منطقة الشرق الاوسط وتقاسم ثرواتنا .وهذا ما يفسر الدخول الروسي بقوة على خط الازمة في سوربا ، حيث أعلن الرئيس الروسي ميدفيديف شخصياً بأن روسيا ترفض العقوبات الدولية في مجلس الامن على سوريا ،وانها لن تكرر المشهد الليبي، فهل تنجح ؟ . حيث تكاد سوريا البلد الوحيد المتبقي ” للنفوذ الروسي ” على المتوسط . وتركيا ما زالت تحن الى زمن غابر في العودة الى الشرق الاوسط من باب الاسلام المعتدل والدفاع عن القضية الفلسطينية بغياب الموقف العربي .وايران تحاول الوقوف بوجه العقوبات التي تفرض عليها من خلال الاوراق السورية واللبنانية والفلسطينية .
أما ما تشهده سوريا في هذه المرحلة مع تأكيدنا على أهمية الاصلاحات التي تحدًث عنها الرئيس الأسد ومحاربة الفساد والغاء حالة الطوارئ ، تبقى وحدة سوريا ومنعتها وقوتها هي الاساس في المعادلات الجديدة . فما شهده العراق من تقسيم وشرذمة يجب الاستفادة منه لمنع تفكك سوريا ومعالجة الازمة بحوار وطني
مسؤول يعطى فيه الشعب السوري وقواه الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني دوراً أساسياً في تحقيق الاصلاحات الداخلية والعدالة الاجتماعية وتكون الداعمة الاساسية لموقف الممانعة ، للتصدي بحزم للمؤامرات التي تحاك على سوريا . فمزيداً من الديمقراطية والحرية والاصلاحات الجدية ،يجذّر الموقف الممانع أكثر ويحصنه ويبعده عن “موجات التطرف ” التي تجتاح المنطقة وافضل بمئات المرات التنازل للشعب من الخضوع للأجنبي ..
ليس من مجال للمفاضلة ، ما بين انتفاضات الشعوب وحقها في التعبير، وبين مشاريع كبرى تحاك على المنطقة ،ظاهرها حق يراد به باطل. فوجود اسرائيل ، وهذا قدرنا ، في قلب الامة العربية يجعلنا نحدّد الوجهة ، جنوباً در .
فهناك تلازم بين الديمقراطية والحرية من جهة والممانعة والتصدي لمشاريع الهيمنة على المنطقة من جهة ثانية . فكلاهما يكملان بعضهما البعض ، فالحراك الشعبي ضرورة بعد عقود من التخدير الممنهج الذي عاشته شعوبنا العربية ، لأن الأجيال الجديدة لها حاجاتها وتطلعاتها نحو بناء مستقبل أفضل . والتحولات يجب أن تحصل نحو المزيد من الديمقراطية والحرية والتنمية ، لتعزيز الموقف وحشد الطاقات في مواجهة المشاريع الاستعمارية الجديدة للسيطرة على ثروات أمتنا ، حمايةً لمستقبل أولادنا .
نبيل السعودي/ ناشط إجتماعي