عبّرت إحدى المشاركات في الطاولة الحوارية الثالثة التي ينظّمها «منتدى النساء العربيات» (عايشة) و«المبادرة النسوية الأوروبية» (EFI) عن شعورها بالخطر من الأفق المسدود الذي يواجه تحركاتهن الحقوقية. ردّ المحامي نزار صاغية، وهو احد المنتدين في الحوار الذي أعطي عنوان «العنف ضدّ النساء والأمن: تأنيث السلام»، على ضيق الأمل الذي تعاني منه معظم الناشطات الحقوقيات باقتراح «تجربة الساحة القضائية». أي عبر مناصرة القضاة الذين «يجتهدون» لضمان الحقوق التي لا تكفلها القوانين المحلية للنساء، أو التي تضيع في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف.
غير أن تجربة القاضي جون قزي، الذي «همّشته» التشكيلات القضائية الأخيرة، بعد إصداره سلسلة أحكام مناصرة للمرأة وحقوقها. جعلت المتحلّقات حول الطاولة يخفن من السير في طريق جديد، أشواكه قد لا تنتهي بورود…
كانت مداخلتا صاغية وقزّي في الجلسة الأولى، التي أدارتها المحامية منار زعيتر، أشبه بـ«ديو» بلازمة واحدة. استهلّه صاغية بنماذج من أحكام صدرت بحق نساء يطلبن حضانة أطفالهن، وبرهنّ عن الخطر الذي سيحدق بفلذات أكبادهن في حال إحالتهم إلى آبائهم. وقد « تمكّن قضاة من إصدار احكام مناصرة لهؤلاء الأمهات بالاستناد على تقارير طبيّة من اختصاصيين نفسيين. حتى أن منهم من فرض نفقة على الوالد. غير أن رجال الدين وقفوا ضدّ تلك الاجتهادات وردوا بذرائع لا يقبلها العقل والمنطق فكتبوا إلى القضاة هازئين من فكرة أن ولد يطالب بأمه، وسألوهم: لو ماتت الوالدة هل تتمكن سيدي القاضي من إعادتها إلى الحياة كي لا تهتز حال الطفل النفسية؟ وهل هم الاختصاصيون النفسيون من يحدّدون أطر الحضانة؟
وشرح صاغية كيف أنه في «العالم المتقدّم»، يولي القانونيون أهمية للضحية، فيصدرون الأحكام التي تخدم مصلحتها، «فيما يحصل العكس في عالمنا حيث على رجل القانون والضحية إطاعة القوانين». هو الأسلوب نفسه الذي باتت تتبعه الحركات النسائية في تحرّكاتها، إذ أضحت تنادي بإنصاف الضحية (ضحية القانون، والعنف…) بدل المناداة بمساواتها بالرجل.
ورأى صاغية أن الحلول من الصعب أن تتأتى عبر طرق باب الطبقة السياسية لأنها تعتبر نفسها غير مجبرة على الردّ. أو بالاتكال على النزول إلى الشارع و«تجييش» الرأي العام لأن «هذا الأخير تحكمه سلسلة اعتبارات يبدّيها على الاعتصام أو التظاهر لأجل حقوق المرأة». وبالتالي، فإن نقل «المعركة» إلى الساحة القضائية «أمر أجدى وأنفع».
ويريد صاغية بذلك أن تطالب النساء بفك الأصفاد عن أيدي القضاة كي يقوموا بعملهم «لأن التفكير الحقوقي لم يعد ينحصر بنصّ قانوني. بل على الحقوقي أن يطوّر القانون ويطوّعه بالاجتهاد، لأنه ليس خادماً للقانون كما تريده الطبقة السياسية ورجال الدين في لبنان أن يكون». وقد أعطى قضية اللبنانية سميرة سويدان التي حكم لها قزي بإعطاء جنسيتها إلى أولادها المصريين، فاستأنفته الدولة اللبنانية ونقضت الحكم، موضحاً أن «الدولة بحكمها هذا أرادت إقفال باب الاجتهاد، فاجتهدت لإقفاله».
حول المعنى نفسه، دارت مداخلة قزّي وقد استهلها بالإفصاح أنه ومن خلال عمله وجد أن «وراء كل إمرأة مظلومة رجل». وأنه انطلاقاً من أن القانون يخدم الإنسان نطق بالأحكام والاجتهادات التي طبعت مسيرته قبل تشكيله على منصبه القضائي الجديد. ولفت إلى أنه ما كان ليطبّق النصوص القانونية بحرفيتها، لأنها قوانين عثمانية تعود على العام 1917 «تخلّت عنها تركيا نفسها». كما أفصح أن كل الأحكام التي فاز بها مكتومو القيد نفّذت باستثناء حكم سويدان.
في «ديو» صاغية – قزّي إصرار على أهمية الاجتهاد في الأحكام، وهزء من قوانين لا تحترم مواطنيها «فالأم المتزوجة من أجنبي لا يمكن أن تعطي جنسيتها اللبنانية إلى أولادها إن أثبتت زواجها، لكنّ أي من الأمهات تعطيها لأولادها إن قررت «التحايل» والاعتراف بأنهم غير شرعيين»، يقول قزّي.
وهو يختم بإحصائية صغيرة أوردها التقرير الاقتصادي العالمي في رصده للمساواة بين الرجل والمرأة في 134 دولة. وقد حلّ لبنان في المرتبة 116 تسبقه دولة النيبال التي تصدّر إليه عاملات منزليات ودول عربية أخرى كالبحرين وتونس والإمارات.
التجربة العراقية والفلسطينية
في ظلّ الاحتلال، يبدو نضال النساء لنيل حقوقهن أصعب. برهنت مداخلة الناشطة سندس عباس من العراق أنه كلما عانت الشعوب من احتلال، تردّت أوضاع النساء فيها، وخرجت حقوقهن عن الأولويات.
وقد روت كيف أن المرأة العراقية تغتصب وتُظهّر بصورة المرأة المنقادة على العمل الإجرامي والعصابات، وهي صورة ترسمها لها السياسات الجديدة في العراق.
وقد زادت الحرب على العراق من حالات زواج المتعة أو الزيجات غير المسجلة، كما زادت من نسبة الأرامل ومن حالات التحرّش الجنسي والاغتصاب… لكن الوضع الشاذ لم تقابله خطط طارئة أو قوانين حديثة تنصف من يظلم في البيت كما في الشارع وفي العمل. لا بل عدّل قانون الأحوال الشخصية وأعيد إلى «حضن» الطوائف بعدما كان قانوناً مدنياً تحتكم له كل الطوائف. وما زال الزوج يحظى بحكم مخفف إن قتل زوجته «الزانية»، وهي عبارة قد يطلقها الزوج «من شكّ ومن رقم مجهول يكتشف على هاتفها فترمى في مستوعب النفايات، كعرف بات سائداً»، بحسب عباس. وهي تضيف أنه ما من قانون يجرّم التحرش الجنسي أو الاغتصاب… كما ما من إطار قانوني يسهّل حياة ملايين الأرامل في العراق. وقد ختمت بإحصائية «رسمية» كما وصفتها، تشير إلى أن 47 في المئة من الأسر العراقية تعيلها نساء.
اما في فلسطين المحتلة، فقد أنسى الاحتلال الطويل النساء حقوقهن، وقد ضاعت بين الحقوق المدنية التي طالبت بها بالاستناد إلى المواثيق والأعراف الدولية. فكانت مطالبة بالحق في العلم والمسكن والعمل والمعاقبة على القتل الجماعي وغيرها من أولويات الحياة التي اعتبرها المحتل امتيازات…
وهو ما اختصرته الحقوقية آمال خريشة من فلسطين بـ«التركيز على تنمية الصمود».
هكذا صمدت المرأة الفلسطينية، لكنّ حقوقها ما زالت ضائعة في ظلّ أولويات تبدي المواثيق الدولية التي يتشبّث بها الفلسطيني لنصرة القضية، وبين أحوال شخصية تعود للطوائف ودستور ينادي بالمساواة بالدين والعرق ولكن ليس بين الجنسين.
لم تخلص المتحاورات اللواتي غاب عنهن الرجال إلى توصيات، ولا أيضاً بحلول لنيل حقوقهن لكن إحداهن سألت «لماذا لا تغضب النساء؟».
غير أن تجربة القاضي جون قزي، الذي «همّشته» التشكيلات القضائية الأخيرة، بعد إصداره سلسلة أحكام مناصرة للمرأة وحقوقها. جعلت المتحلّقات حول الطاولة يخفن من السير في طريق جديد، أشواكه قد لا تنتهي بورود…
كانت مداخلتا صاغية وقزّي في الجلسة الأولى، التي أدارتها المحامية منار زعيتر، أشبه بـ«ديو» بلازمة واحدة. استهلّه صاغية بنماذج من أحكام صدرت بحق نساء يطلبن حضانة أطفالهن، وبرهنّ عن الخطر الذي سيحدق بفلذات أكبادهن في حال إحالتهم إلى آبائهم. وقد « تمكّن قضاة من إصدار احكام مناصرة لهؤلاء الأمهات بالاستناد على تقارير طبيّة من اختصاصيين نفسيين. حتى أن منهم من فرض نفقة على الوالد. غير أن رجال الدين وقفوا ضدّ تلك الاجتهادات وردوا بذرائع لا يقبلها العقل والمنطق فكتبوا إلى القضاة هازئين من فكرة أن ولد يطالب بأمه، وسألوهم: لو ماتت الوالدة هل تتمكن سيدي القاضي من إعادتها إلى الحياة كي لا تهتز حال الطفل النفسية؟ وهل هم الاختصاصيون النفسيون من يحدّدون أطر الحضانة؟
وشرح صاغية كيف أنه في «العالم المتقدّم»، يولي القانونيون أهمية للضحية، فيصدرون الأحكام التي تخدم مصلحتها، «فيما يحصل العكس في عالمنا حيث على رجل القانون والضحية إطاعة القوانين». هو الأسلوب نفسه الذي باتت تتبعه الحركات النسائية في تحرّكاتها، إذ أضحت تنادي بإنصاف الضحية (ضحية القانون، والعنف…) بدل المناداة بمساواتها بالرجل.
ورأى صاغية أن الحلول من الصعب أن تتأتى عبر طرق باب الطبقة السياسية لأنها تعتبر نفسها غير مجبرة على الردّ. أو بالاتكال على النزول إلى الشارع و«تجييش» الرأي العام لأن «هذا الأخير تحكمه سلسلة اعتبارات يبدّيها على الاعتصام أو التظاهر لأجل حقوق المرأة». وبالتالي، فإن نقل «المعركة» إلى الساحة القضائية «أمر أجدى وأنفع».
ويريد صاغية بذلك أن تطالب النساء بفك الأصفاد عن أيدي القضاة كي يقوموا بعملهم «لأن التفكير الحقوقي لم يعد ينحصر بنصّ قانوني. بل على الحقوقي أن يطوّر القانون ويطوّعه بالاجتهاد، لأنه ليس خادماً للقانون كما تريده الطبقة السياسية ورجال الدين في لبنان أن يكون». وقد أعطى قضية اللبنانية سميرة سويدان التي حكم لها قزي بإعطاء جنسيتها إلى أولادها المصريين، فاستأنفته الدولة اللبنانية ونقضت الحكم، موضحاً أن «الدولة بحكمها هذا أرادت إقفال باب الاجتهاد، فاجتهدت لإقفاله».
حول المعنى نفسه، دارت مداخلة قزّي وقد استهلها بالإفصاح أنه ومن خلال عمله وجد أن «وراء كل إمرأة مظلومة رجل». وأنه انطلاقاً من أن القانون يخدم الإنسان نطق بالأحكام والاجتهادات التي طبعت مسيرته قبل تشكيله على منصبه القضائي الجديد. ولفت إلى أنه ما كان ليطبّق النصوص القانونية بحرفيتها، لأنها قوانين عثمانية تعود على العام 1917 «تخلّت عنها تركيا نفسها». كما أفصح أن كل الأحكام التي فاز بها مكتومو القيد نفّذت باستثناء حكم سويدان.
في «ديو» صاغية – قزّي إصرار على أهمية الاجتهاد في الأحكام، وهزء من قوانين لا تحترم مواطنيها «فالأم المتزوجة من أجنبي لا يمكن أن تعطي جنسيتها اللبنانية إلى أولادها إن أثبتت زواجها، لكنّ أي من الأمهات تعطيها لأولادها إن قررت «التحايل» والاعتراف بأنهم غير شرعيين»، يقول قزّي.
وهو يختم بإحصائية صغيرة أوردها التقرير الاقتصادي العالمي في رصده للمساواة بين الرجل والمرأة في 134 دولة. وقد حلّ لبنان في المرتبة 116 تسبقه دولة النيبال التي تصدّر إليه عاملات منزليات ودول عربية أخرى كالبحرين وتونس والإمارات.
التجربة العراقية والفلسطينية
في ظلّ الاحتلال، يبدو نضال النساء لنيل حقوقهن أصعب. برهنت مداخلة الناشطة سندس عباس من العراق أنه كلما عانت الشعوب من احتلال، تردّت أوضاع النساء فيها، وخرجت حقوقهن عن الأولويات.
وقد روت كيف أن المرأة العراقية تغتصب وتُظهّر بصورة المرأة المنقادة على العمل الإجرامي والعصابات، وهي صورة ترسمها لها السياسات الجديدة في العراق.
وقد زادت الحرب على العراق من حالات زواج المتعة أو الزيجات غير المسجلة، كما زادت من نسبة الأرامل ومن حالات التحرّش الجنسي والاغتصاب… لكن الوضع الشاذ لم تقابله خطط طارئة أو قوانين حديثة تنصف من يظلم في البيت كما في الشارع وفي العمل. لا بل عدّل قانون الأحوال الشخصية وأعيد إلى «حضن» الطوائف بعدما كان قانوناً مدنياً تحتكم له كل الطوائف. وما زال الزوج يحظى بحكم مخفف إن قتل زوجته «الزانية»، وهي عبارة قد يطلقها الزوج «من شكّ ومن رقم مجهول يكتشف على هاتفها فترمى في مستوعب النفايات، كعرف بات سائداً»، بحسب عباس. وهي تضيف أنه ما من قانون يجرّم التحرش الجنسي أو الاغتصاب… كما ما من إطار قانوني يسهّل حياة ملايين الأرامل في العراق. وقد ختمت بإحصائية «رسمية» كما وصفتها، تشير إلى أن 47 في المئة من الأسر العراقية تعيلها نساء.
اما في فلسطين المحتلة، فقد أنسى الاحتلال الطويل النساء حقوقهن، وقد ضاعت بين الحقوق المدنية التي طالبت بها بالاستناد إلى المواثيق والأعراف الدولية. فكانت مطالبة بالحق في العلم والمسكن والعمل والمعاقبة على القتل الجماعي وغيرها من أولويات الحياة التي اعتبرها المحتل امتيازات…
وهو ما اختصرته الحقوقية آمال خريشة من فلسطين بـ«التركيز على تنمية الصمود».
هكذا صمدت المرأة الفلسطينية، لكنّ حقوقها ما زالت ضائعة في ظلّ أولويات تبدي المواثيق الدولية التي يتشبّث بها الفلسطيني لنصرة القضية، وبين أحوال شخصية تعود للطوائف ودستور ينادي بالمساواة بالدين والعرق ولكن ليس بين الجنسين.
لم تخلص المتحاورات اللواتي غاب عنهن الرجال إلى توصيات، ولا أيضاً بحلول لنيل حقوقهن لكن إحداهن سألت «لماذا لا تغضب النساء؟».