إعلان تونس الصادر عن الندوة الإقليمية “حقوق الإنسان في مسار التحولات الديمقراطية والتنمية العادلة : دروس الثورة الشعبية التونسية ومسؤوليات المجتمع المدني العربي”
بمبادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، انتظمت في تونس يومي 1 و2 مارس 2011 ندوة إقليمية حول ” حقوق الإنسان في مسار التحولات الديمقراطية والتنمية العادلة: الأسئلة والآفاق في ضوء نموذج الثورة الشعبية في تونس ومصر “. جاء ذلك في سياق ما تشهده المنطقة العربية من تحولات عميقة وجذرية غير مسبوقة، أدت إلى تغييرات هامة في أعلى هرم السلطة، وفتحت المجال أمام اندلاع ثورة شعبية ثالثة في ليبيا أسفرت حتى الآن عن آلاف الضحايا بسبب عنجهية نظام مستبد ودموي.
لقد آن الأوان لتفكيك الدولة الغنائمية وإسقاطها نهائيا، وهي الدولة التي كانت محصلة توالي فشل السياسات التنموية والاستبدادية، والتي وفرت الفرصة لأقليات هنا وهناك من السيطرة على أجهزة الدولة، واحتكار الثروات الوطنية والشأن العام، متجاوزة بذلك حدود الفساد وألياته التقليدية، ومؤسسة لنمط مختلف من أنظمة الحكم أكثر عنفا وتعفنا وتعقيدا.
إن العالم العربي بفضل هذه الثورات الجارفة قد دخل منعطفا تاريخيا، ودشن عمليا مرحلة تأسيسية تتجه نحو قيام دول مدنية ديمقراطية قائمة على احترام الحريات وعلوية القانون وحقوق الإنسان والمساواة. لحماية هذا الحراك الديمقراطي من أي انتكاسة أو التفاف، وتوجيهه نحو استكمال تحقيق مطالب الشعوب العربية، يجب الأخذ بعين الاعتبار المبادئ الخمسة التالية:
(1) مسؤوليات المرحلة الحالية: بناء الدولة المدنية: دولة الحق والقانون، حيث تفرض هذه المرحلة التاريخية على جميع الأطراف من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وفعاليات ثورية ومواطنين الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، واكتساب الوعي بطبيعة المتغيرات السريعة الجارية وبلورة الرؤى والمهام المستقبلية، وذلك بتجنب إعادة إنتاج مفاهيم المرحلة السابقة. فالعالم العربي حاليا لا يتجه فقط نحو تغيير أنظمة الحكم، وإنما يريد إعادة بناء استقلاله مرة أخرى وعلى أسس جديدة ومغايرة للمرحلة السابقة التي شهدت اغتصاب ذلك الاستقلال وأعادت جميع مقومات الهيمنة والتبعية تحت غطاء مفاهيم وآليات خفية أو ظاهرة. لهذا فإن الانتقال سيتأثر حتما بخصوصيات كل بلد وبالتالي فستعدد الاحتمالات والسناريوهات لكن المهم ان تتكامل النضالات من أجل تكريس الحرية وحماية المسار التغييري واستكماله بخطوات واثقة. فالثورة نتاج تراكم من نضالات الفئات المجتمعية المختلفة، من هنا اهمية تنظيم القوى المجتمعية المختلفة باتجاه بناء وتأطيرقوى تشاركية جديدة. ان التغيير لا يمكن الا ان يأتي من الداخل، لكن التحدي الان يتمثل في تحصين التحولات المتسارعة لاقامة الدولة المدنية القائمة على الحق والقانون والمواطنة. ان الفترة الحالية تتطلب اليات عملية لضمان الانتقال الى مرحلة تعزيز الشرعية الثورية بشرعية دستورية تحميها من اي انفلات أو انزلاق نحو دكتاتورية جديدة تتخفى وراء التحدث باسم الشعب والثورة.
المطلوب عاجلا هو التوصل عبر الحوار الوطني التشاوري والتوافق إلى عقد اجتماعي جديد يدعم المقاربة الشاملة للعملية الإصلاحية، وذلك بربط الإصلاح السياسي بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة على حقوق الإنسان.
(2) محورية حقوق الانسان في اعادة بناء النظام السياسي والمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: في هذه المرحلة التاريخية الهامة، تؤكد منظمات حقوق الإنسان العربية نفسها على التزامها بمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وترى أنها أمام فرصة غير مسبوقة لإحداث تغييرات جوهرية تشريعية ومؤسسساتية، وهو ما يقتضي مضاعفة جهودها ومراجعة استرتيجياتها وأدوات عملها، من أجل وضع منظومة حقوق الإنسان في صلب مراحل الانتقال الديمقراطي، وذلك بتكريس مبادئ المساواة وعدم التمييز في كل النصوص القانونية والتشريعات الوطنية. فملازمة الشفافية خلال جميع محطات الانتقال الديمقراطي واعادة البناء وهي اساس في بناء الثقة ما بين المواطن وانظمة الحكم القادمة. هذا اضافة الى تكريس احترام التعددية ومراجعة كل القوانين الخاصة بالاحزاب السياسية، وتكريس نظام اقتراع يراعي الجهات والحساسيات المختلفة في المجتمع وتدعيم التنافس ما بين الاحزاب ووضع آليات التداول السلمي والديمقراطي على السلطة وضمان استقلال القضاء وحسن سير المؤسسات الدستورية وتفعيل الدور الرقابي للمواطنين، وهي كلها تشكل شروطا ضرورية ملازمة لعملية التحول الى نظام ديمقراطي. كما أن الحركة الحقوقية العربية مدعوة أيضا إلى وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في صلب وصدارة النقاشات الاقليمية والدولية، وذلك كخطوة ضرورية في اتجاه بناء نظام إقليمي ودولي جديد.
3) تلازم مطالب الحرية والعدالة التنموية: عدالة التنمية جزء اساسي في مسار الثورات العربية حيث تتلازم مطالب الحرية والتنمية، في اتجاه بناء منظومة اقتصادية واجتماعية تكون الكرامة والحرية والمساواة محورها الرئيسي، وهو ما طالب به المحتجون في كامل دول المنطقة، وجعلوا منها القيم المحركة لاندفاعهم الثوري نحو التغيير العميق والشامل. فمكاسب الثورة لا تكتمل مع استمرار ظواهر الفقر وتعمق الفوراق وحرمان جزء من الشباب الحق في العمل والشغل وبقاءهم خارج دورة الانتاج. إن العدالة في التنمية جزء اساسي من العملية الديمقراطية وشرط من شروط حمايتها، وهو ما يتطلب شفافية ومساءلة في التسيير وتقليص الطابع المركزي في الحكم والتسيير بتشجيع الديمقراطية المحلية والقروية والجهوية، وإعتماد سياسات كلية تنموية تمكن جميع الفئات من المشاركة في ذلك والإستفادة من فوائدها.
4) أدوار منظمات المجتمع المدني: ضرورة أن تسهم منظمات المجتمع المدني بفعالية في تقديم بدائل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يتحقق ذلك إلا بمحافظة هذه المنظمات على طبيعتها واستقلاليتها، وأن تمتنع عن أن يتم توظيفها من قبل القوى السياسية المتنافسة. كما أنها مدعوة إلى الانتقال من منظمات معارضة أومطلبية الى قوة اقتراحية تسهم من موقع إيجابي في تعميق مناقشة السياسات من مقاربة تشاركية. فحركة حقوق الانسان تواجه حاليا تحديات جديدة، من بينها كيفية تطوير اليات العمل للمساهمة بفعالية في مراقبة اداء الحكومات الانتقالية والتنبيه الى مخاطر المس بحقوق الانسان. فمن الاهمية ان تكون الحركة في قلب التغيير من خلال اقتراح الانتقال من الدور التوعوي واستكماله بدور في بلورة سياسات تنموية بديلة، والحيلولة دون تهميش حقوق بعض الأطراف الأساسية أو تأجيل النظر في بعض القضايا المحورية، مثل قضايا المرأة والشباب والفئات المهمشة في المجتمع. ومن بين المسائل العاجلة في هذا السياق وضع تشريعات ديمقراطية جديدة تضمن حرية تكوين منظمات المجتمع المدني، بعيدا عن قيود المرحلة السابقة التي عرقلت نمو المجتمع المدني وحرمته من النمو الطبيعي، وأخضعته لآليات الدولة المحتكرة للفضاء العام. كما أنه سيكون من الضروري لتحقيق ما تقدم ضمان الحق في الوصول إلى المعلومات من أجل تمكين المجتمع المدني من بلورة بدائله على أساس تقييم علمي وموضوعي للواقع.
5) التضامن الإقليمي لحماية التعبير: إن منظمات المجتمع المدني في كافة الدول العربية مدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية تضامنية مع مختلف تحولات التي جرت في تونس ومصر وليبيا وذلك للمساهمة احمايتها من مخاطر التدخل الخارجي بمختلف أشكاله وبالأخص العسكري منه، إلى جانب مخاطر تدخل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية الاخرى الخائفة من إنتقال عدوى التغيير إليها. وهو ما يقتضي تطوير أشكال التعاون والتضامن بين مختلف منظمات المجتمع المدني بالدول العربية، إلى جانب التصدي لمحاولات إعادة فرض السياسيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ولدت الأزمة وأدت إلى الانفجار.
برنامج الموقع والإعلام بالمعهد العربي لحقوق الإنسان
INFORMATION & WEBSITE
Arab Institute for Human Rights
New contacts:
Tel: +216 71 703 905 / +216 71 709 234
Fax: +216 71 709 321
E-mail: [email protected]
Website: www.aihr-iadh.org
New physical address: 54, avenue Al Khalij Al Arabi –
Menzah 8 – Ariana – C.P 2037 – Tunisia