شكلت المخاوف من تفشي فيروس “الكورونا”، ضربة قاسية لآلاف العائلات اللبنانية الفقيرة والمتعففة التي وجدت نفسها فجأة بلا معيل أو مصروف، بعدما فرض إعلان الحكومة اللبنانية “التعبئة العامة” وحالة الطوارئ الصحية الاقفال على المصالح والمؤسسات الخاصة وملازمة المنازل، فيما هؤلاء يعيشون على قاعدة “كل يوم بيومه”.
وفيما تقف الدولة عاجزة كعادتها عن تقديم المساعدة العاجلة، بدأت المبادرات “الخيرية – التكافلية” الفردية منها والجماعية، تشق طريقها في صيدا لتبلسم معاناة أبنائها، بعد التراكم المزمن لتردي الاوضاع المعيشية نتيجة الازمات الاقتصادية المتلاحقة منذ سنوات، والتي بلغت ذروتها العام الماضي، مع الغلاء وارتفاع الاسعار والتلاعب بسعر صرف الدولار الاميركي.
“المطبخ الشعبي”
في زمن “كورونا”، تتخذ المبادرات الصيداوية أشكالاً مختلفة في مدّ يد العون، منها المساعدة المالية أو العينية أو إعداد الوجبات الساخنة او الحصص التموينية، أو تأمين العلاج لمرضى أو شراء أدوية لهم، أو إعادة ترميم منازلهم المتصدعة والمتهالكة، أو مساعدتهم لدفع إيجارها، وجاء اول الغيث من مستوصف الشهيد رشيد بروم في صيدا الذي أعلن عن افتتاح “المطبخ الشعبي” وهو عبارة عن وجبات طبخ بيتي يومية تقدم لذوي الدخل المحدود باشراف شيف متخصص بمواصفات ممتازة ومراعاة نوعية المواد والنظافة، وذلك باسعار شبه مجانية تقدر بنحو عشرة آلاف ليرة للعائلات والعمال والطلاب، وبألفي ليرة للموظفين والمعلمين.
صندوق تكافلي
في المقابل، أدركت بلدية صيدا باكراً خطورة تداعيات فيروس “كورونا” والازمة الاقتصادية معاً، على قاعدة “الغلاء والوباء” يعني “البلاء” ومواجهته تتطلب تضافر الجهود الرسمية والبلدية والاهلية والفردية، الى جانب الاستعداد الصحي واجراءات الوقاية، فـ “هي حلقة مترابطة من سلسلة متواصلة”، وفق ما يقول رئيس البلدية محمد السعودي، الذي أكد تشكيل “غرفة عمليات مشتركة” مع خط ساخن لمتابعة كل التطورات الطارئة لمواكبة الاتجاهات الثلاثة معاً، لضمان تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة”.
والسعودي الذي حول البلدية الى “خلية نحل” لا تهدأ، واجتماعات ولقاءات، أعلن عن “إنشاء صندوق تكافلي” بالتعاون مع فاعليات المدينة وذلك للعائلات الفقيرة والمحتاجة، ولتقديم معدات تنظيف ومساعدات غذائية للعائلات من ذوي الدخل المحدود والمحتاجة.
وبادر النائب أسامة سعد للاتصال بالسعودي، داعياً لإنشاء صندوق لمساعدة المواطنين على مواجهة الأوضاع المعيشية
الصعبة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد امتد ليطال كل ما يتعلق بمصروف الناس في حياتهم اليومية، منها الطلب الى أصحاب المولدات الكهربائية بحث إمكانية إعفاء أو تخفيض قيمة الفاتورة أو أي إقتراح آخر يساهم في مساعدة ذوي الدخل المحدود، توصية مالكي العقارات السكنية والتجارية من باب روح التضامن والتكافل في هذا الظرف العصيب، النظر بما يمكن التخفيف من عبء الإيجارات القائمة كل حسب إستطاعته، توزيع حصة نظافة لأصحاب الدخل المحدود، وقيام البلدية بدورها في المتابعة مع الجهات الرسمية المعنية لمراقبة أسعار السلع الإستهلاكية، والحؤول دون استغلال هذه الظروف والطلب من الجهات الرسمية بالتعاون مع المحافظة لتسهيل سداد الفواتير والرسوم المتعلقة بمختلف الشؤون الحياتية.
الخطة الاهلية
توازياً، انطلقت جهود “تجمع المؤسسات الأهلية” لتتكامل مع البلدية والهيئات الرسمية والقوى السياسية والمتطوعين، وجال وفد من امانة سر “التجمع” برئاسة ماجد حمتو على كل من النائب سعد والدكتور عبد الرحمن البزري ونائب رئيس المكتب السياسي لـ “الجماعة الاسلامية” في لبنان بسام حمود.
وأكد حمتو لـ”نداء الوطن”، ان الخطة تقوم على تنسيق العمل بين الجميع لمواجهة فيروس “كورونا” مع التأكيد على الإجراءات والتدابير الصحيّة والاجتماعيّة والتوعويّة والخدماتية المتخذة للحد من انتشاره من جهة، والاهتمام بالظروف المعيشية الصعبة للمواطنين ومراعاة احتياجات العمال والموظفين المياومين مع الاقفال وملازمة المنازل من جهة أخرى.
ميدانياً، التزمت صيدا لليوم الثالث على التوالي، فأقفلت المحال والمؤسسات التجارية وسوق المدينة، وشهدت المدينة حركة خفيفة مع افتتاح محلات الصيرفة والمصارف جزئياً، حيث قلص بعضها عدد الموظفين ومنع دخول اكثر من زبونين الى حرمه لانجاز عملية السحوبات المالية، وانتظر الباقون دورهم خارجاً في اجراء وقائي وسيرت القوى الأمنية والشرطة البلدية دوريات للتأكد من الاقفال التام، الذي امتد الى الاحياء الشعبية…إلتزام فلسطيني
فلسطينياً، إلتزم مخيم عين الحلوة بالتعبئة العامة اللبنانية، وشهد اقفالاً تاماً بما فيها سوق الخضار، باستثناء الصيدليات ومحال المواد الغذائية، خلت الشوارع من المارة، ولازم أبناء المخيم منازلهم، في خطوة هي الاكبر من نوعها طوعياً، وذلك استجابة لدعوات مختلف القوى السياسية والمحلية.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ “نداء الوطن”، ان “لجنة الطوارئ المركزية” التي جرى تشكيلها في اجتماع السفارة الفلسطينية برئاسة السفير الفلسطيني أشرف دبّور، اتفقت على اعتماد ثلاثة مراكز للحجر الصحي للمشتبه بإصابتهم بـ “الكورونا” وهي مركز “سبلين” المهني في اقليم الخروب، ومستشفى “الاقصى” في مخيم عين الحلوة ومركز طبي في مخيم “البص” في صور، حيث من المقرر تجهيزها بفريق طبي وتمريضي وبالمعدات والادوات وألبسة وقائية ومواد التعقيم اللازمة.
وفيما تواصلت حملات الرش والتعقيم وحملات التوعية وطرق الوقاية، عقدت المؤسسات الصحية “النداء الانساني”، “الهلال الأخضر الخيري ومركز “خالد بن الوليد” الطبي إجتماعاً، واتفقت على انشاء اماكن استقبال وفحص متخصصة متاخمة لمراكزها، في حال ظهور عوارض، اضافة الى إقامة الحجر الصحي الموقت في حال التشكيك، وتنظيم عملية إخلاء المصابين في حال وجودهم من قبل الصليب الاحمر اللبناني وإمكانية إنشاء خيم ميدانية على مداخل المخيم لاخضاع الخارجين والداخلين لفحص طبي وقائي.
المصدر: نداء الوطن