لم تغب قضية النفايات عن مدينة صيدا والجوار منذ عقود من الزمن، بسبب السياسات الحكومية المتبعة لمعالجة هذا الملف، حتى بات لصيدا جبلان من النفايات، أفرزتهما تلك السياسات التي كانت في بعض الأحيان مقصودة ومتعمدة، لأسباب تبقى مجهولة لدى البعض من المواطنين. هذا ما تشهده عاصمة الجنوب وبلديات الجوار من حالة حرب ضد النفايات في الساحات والشوارع والمكبات العشوائية الحديثة.
هذا الأمر استدعى أن تقدم الجمعيات البيئية في لبنان بالتعاون مع تجمع المؤسسات الأهلية في صيدا مشروعاً تحت عنوان: «الحملة الوطنية لمعالجة مشكلة النفايات على أساس الفرز من المصدر»، من دون الاقتراب إلى حليّن آخرين مكلفين ومضريّن للبيئة، هما الطمر والحرق، بالاعتماد على تحويل النفايات العضوية إلى سماد عضويّ وتدوير النفايات غير العضوية.
ولا يستبعد المبادرون إلى إطلاق الحملة في صيدا ومنطقتها نجاح هذه الخطة في كتابهم إلى محافظ الجنوب نقولا بوضاهر. إذ أن العديد من القرى والبلدات اللبنانية طبقت هذه الخطة، مثل: «المنصف، عربصاليم، كفروة، بعبدا وغيرها». ويقترحون على الجهات الرسمية المعنية «تشجيع إقامة مراكز لفرز النفايات غير العضوية، وتسبيخ النفايات العضوية، وحثّ المواطنين على الفرز من المصدر في ثلاثة مستوعبات في المنازل، تقابلها ثلاثة مستوعبات في الشارع: الاخضر لفرز النفايات العضوية، الاحمر لغير العضوية، والأبيض للنفايات الورقيّة. علماً أن بيع المفروزات يمكنه تغطية كلفة جمع النفايات، وخلق فرص عمل وتوفير كلفة نقل النفايات إلى المطامر والمكبات البعيدة عن مصدرها».
ويتطلب نجاح هذه الحملة حسب الخطة الموضوعة عدة خطوات عمليّة أبرزها «أن تخصص البلديات المعنية قطعة أرض مساحتها حوالى 900 متر مربع لإنشاء مركز للتسبيخ، ومركز لفرز وتخزين النفايات العضوية، وأن تؤمن البلديات أيضاً فريقاً من العمال يقوم بجمع وفرز النفايات، وأن تقوم أيضاً البلديات بتلوين مستوعبات الشارع لإرشاد المواطنين».
وحددت الجمعيات البيئية بالتعاون مع تجمع المؤسسات الأهلية مدة أربعة أشهر من أجل إطلاق عمل الحملة في مدينة صيدا وجوارها، والبدء بتنفيذ خطتها فور التوقيع على الاتفاقيات بين الجهات المعنية، واستطلاع الأماكن المقترحة للفرز، وتحضير فريق المراقبين والناشطين البيئيين، وغيرها من الخطوات في الشهر الأول، بالإضافة إلى الحملة الاعلامية والاعلانية، على أن تتبعها خطوات وضع خطط العمل للبلديات والمواطنين، وإنشاء لجان للأحياء السكنية والاسواق، وتوعية صانعي القرار في المجتمع المعني : «ربات المنازل والعمال والأطفال ……»، وصولاً إلى الشهر الرابع الذي من المفترض أن تكون عمليات تنفيذ هذه الخطة قد عممت وبدأت تؤتي ثمارها.
حمتو
ويؤكد منسق تجمع المؤسسات الأهلية في صيدا ماجد حمتو لـ«البناء» أن «تحرك التجمع بالتعاون مع جمعيات بيئية من مختلف المناطق اللبنانية يأتي بعد تفاقم مشكلة النفايات في الشوارع والأحياء، في القرى والبلدات المحيطة بمدينة صيدا بسبب إقفال المكبّ، وعدم وجود حلّ بديل، في ظلّ رفض الشركة المالكة لمعمل معالجة النفايات استقبال النفايات، قبل إعادة النظر بالعقد الموقّع، وتحديداً إعادة النظر بالأسعار وكمية النفايات ..الخ».
ويشدد على أنه «آن الأوان لوضع قانون وطني عصري لإدارة ومعالجة النفايات، يجعل منها نعمة لا نقمة على غرار ما هو حاصل في أغلب دول العالم، إذا أحسنّا استغلالها واتبعنا الطرق العلمية في المعالجة، واتبعنا سياسة الفرز من المصدر التي تبنتها وزارة البيئة منذ العام 2007 ولم تنفذ بينما قابلها ازدياد في عدد المكبّات العشوائية في مختلف المناطق اللبنانية، وأهمها مكبّ صيدا الذي بات وضعه لا يحتمل، ويشكل، مثل باقي المكبات خطراً على الصحة العامة، وسلامة المواطنين، ومصدراً حقيقياً لتلوث الهواء والماء وحياة الناس اليومية، لما يحتويه من نفايات متنوعة، تختلط فيها النفايات المنزلية الصلبة، مع النفايات الصناعية والنفايات الطبية».
ويضيف: «لقد آن الأوان أيضاً للوصول إلى قانون وطني لمعالجة النفايات، تشارك في نقاشه شرائح المجتمع كلها، بحيث يتاح لكل الفعاليات والأوساط والفئات والمؤسسات التربوية، والصحية والاجتماعية، والنقابات ومؤسسات القطاع الأهلي ووسائل الإعلام، أن تعطي رأيها بكل وضوح وصراحة للوصول إلى أفضل صيغة قانونية لحماية البيئة ومعالجة النفايات، وتلبّي شروط السلامة العامة والتوفير في التكاليف وتحقيق مبدأ الاستدامة، وتحقق للبلديات دورها التنموي، والتواصل مع المواطنين وإرشادهم وتحفيزهم للتكامل والتعاون في موضوع معالجة النفايات».
وختم حمتو بالقول: «نتمنى للمبادرة التي بدأنا بها أن تؤسس فعلاً للمساهمة مع غيرنا في إيجاد حلول ناجعة لمشكلة النفايات».
جمال الغربي – البناء