يأتي يوم البيئة العالمي (المصادف اليوم) والعالم منشغل بأزماته الاقتصادية والأمنية. وهي مناسبة تحولت تقليدية جدا، لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الاقتصاد العالمي المتجه منذ زمن بعيد اتجاها واحدا (نحو المزيد من الأزمات). الشيء الوحيد المختلف هذا العام، أن هذه المناسبة تأتي قبل ايام من انعقاد قمة الارض في الريو، التي لا يتوقع أيضا، ان تقدم او تغير شيئا في الاتجاهات العالمية الكارثية.
بدأت طلائع النتائج السلبية تظهر من خلال التحضيرات لعقد قمة الأرض الثالثة في الريو قبل اقل من أسبوعين.
أول الطلائع السلبية تبدو في التحضيرات. فقد ارتفعت أسعار الغرف في الفنادق بشكل جنوني، مع ان الوعود من الحكومة كانت تقول بحسم 30%!
وبينما توقع المنظمون ان يصل عدد المشتركين إلى 50 ألف مشارك وأكثر من مئة رئيس دولة، ليس هناك من غرف بأقل من 700 دولار أميركي لليلة واحدة!
ممارسة أصحاب الفنادق الضغوط للحجز والدفع قبل موعد المؤتمر بوقت طويل ورفع الأسعار… دفع بـ11 نائب من البرلمان الأوروبي بإلغاء حجوزاتهم ومشاركتهم في قمة الريو بسبب التلاعب في أسعار غرف الفنادق، لاسيما عندما وصل سعر الغرفة إلى ألفي ريال أي ما يقارب 791 يورو (أكثر من ألف دولار) في الليلة الواحدة فندق خمسة نجوم لغرفة بسيطة. هذا ما أعلنه رئيس البعثة البيئية للبرلمان الأوروبي الألماني الاشتراكي ماتياس غروتي.
ولأول مرة تطرح الأسئلة عن الجدوى من حشر عدد كبير من الناس في قمة، بوقت قصير جدا، وفي مكان واحد… قبل انعقاد القمة وليس بعدها! قمة قد تزيد من تلوث الجو العالمي من دون ان تصل الى نتيجة.
على أية حال، انها القمة الرابعة وليست الثانية (كما يوحي عنوان قمة الريو + 20)، باعتبار ان القمة الأولى عقدت العام 1972 والثانية العام 1992 في الريو ثم قمة جوهانسبورغ العام 2002. وبالمناسبة لم تتناول الأمم المتحدة ولا الصحافة العالمية المواكبة لقمة الريو ما حصل في قمة جوهانسبورغ منذ عشر سنوات… وقد تم تسمية هذه القمة «ريو + 20»، كأن قمة جوهانسبورغ لم تعقد!
اذكر أننا كتبنا منذ عشر سنوات، بعد عودتنا من جوهانسبورغ، انها كانت «قمة الفشل»، اذ كان مأمولا منها الخروج بخطوات تنفيذية لمعالجة الكثير من المواضيع. حينها لم تعترف دوائر الامم المتحدة بهذا الفشل، وقد تم الترويج طويلا لنجاحات وهمية، ثم عادت منذ عامين، مع بدء التحضير لهذه القمة، الى تجاهل قمة جوهانسبورغ تماما، وكانها لم تكن، مما يؤكد ما ذهبنا اليه منذ عشر سنوات.
في لبنان لن يغير التقرير الذي سيطلقه رئيس الجمهورية في يوم البيئة العالمي من القصر الجمهوري حول التنمية المستدامة في لبنان شيئا. ولن ينفع هذا التقرير رئيس الحكومة الذي سيحمله معه حين سيترأس الوفد اللبناني الى الريو، كما هو مقرر حتى تاريخه. فالتقرير كناية عن تجميعة لمشاريع بعض الوزارات، لا تربطها رؤية إستراتيجية على مستوى الدولة للتنمية المستدامة تم تبنيها في مجلس الوزراء او في البيانات الوزارية للحكومة. صحيح انه تم اشراك بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني المهتمة، وان هذه الاخيرة عدّلت الكثير في بنود التقرير، وانه يمكن للبعض ان يبتهج بأنه اصبح للمنظمات دورها، بعد ان فشلت السطات المختصة (في وزارة البيئة) منذ عشر سنوات في انتاج تقرير مشترك… ولكن كل ذلك لن يغير من واقع البيئة المتدهور في لبنان، طالما ان الاتجاه إلى تفتيت الدولة ودورها هو السائد، بدل ان يتم تقويتها ودعمها، كونها المؤتمن الاول على ديمومة الموارد الطبيعية وسلامتها!
صحيح ان وزير البيئة ناظم الخوري في هذا العهد، بدعم من رئيس الجمهورية، قد مرر في مجلس الوزراء سلة تاريخية من القوانين والمراسيم البيئية في فترة قياسية، إلا ان المشكلة ستبقى هي نفسها، في اضمحلال الدولة وعدم تنفيذ القوانين. فدولة تعجز عن تطبيق قانون السير الصادر منذ العام 1967، لن تستطيع تطبيق قوانين ومراسيم دراسة الأثر البيئي للمشاريع إلا بعد أن تنجز وتنهي (هذه المشاريع) عمرها الافتراضي بعد اكثر من خمسين سنة!
حبيب معلوف