لم يمض على خير المؤتمر الذي نظّمته «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) ومعهد عصام فارس للدراسات في جامعة بيروت الأميركية لمناسبة الذكرى الستين على تأسيس الوكالة المولجة تسيير الشؤون التربوية والصحية والمعيشية لأكثر من أربعة ملايين لاجئ أخرجوا قسرا من ديارهم في ربيع العام 1948 لمّا قرر «العالم المتحضّر» التكفير عن الذنوب التي اقترفها بحق يهود العالم، فمنحهم أرض فلسطين ليقيموا عليها، وأنشأ وكالة أرادها «خيرية»، لتسيير شؤون من أضحوا بلا ديار، على أمل، ربما، أن قضيتهم ستنطفئ سريعا بذوبانهم في دول الجوار التي توزعوا عليها.
لم يمض على خير المؤتمر الذي انعقد بعنوان معلن هو «إعادة قراءة في مهمات الأونروا» وجاء ختامه وكأنما يقول إن إعادة القراءة هذه تعني العمل على «دمج» اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، بما يعني إسقاط حق العودة كبند ملزم، وهدف لا تنتهي مهمات الوكالة وسبب وجودها قبل أن يتحقق، وإلا فما معنى أن تطرح الوكالة، على لسان «مستشارتها» ليلى هلال، ثلاثة حلول لا رابع لها لمستقبل الفلسطينيين هي: العودة الى الوطن «طوعياً» (كأنما الأمر منوط بهم)، أو الاندماج المحلّي، أو إعادة التوطين في دولة ثالثة….! معتبرة ان الحلين الاخيرين «هما بديلان عن الحل الاول».
لم يمض على خير على الإطلاق المؤتمر الذي ينعقد فيما الأونروا تتعرض لحملة ضاغطة، تقودها إسرائيل وحلفاؤها الكثر في العالم، بهدف حلّها، و«توفير» كلفتها، التي ترتفع عاما بعد عام مع ارتفاع عدد الفلسطينيين الذين يولدون خارج أرضهم، فيما تتقلص ميزانيتها بفعل تقاعس «العالم المتحضر»، ودمج لاجئيها المعروفة أسباب لجوئهم والمسبب، مع لاجئي كوكب الأرض الآخرين في إطار «المفوضية العليا للاجئين» التابعة للأمم المتحدة، في مساع لوأد ما تبقى من واجبات ما زالت المنظمة الدوليّة تقدّمها للفلسطينيين، بعدما تخلّت عن معظم واجباتها السياسية القانونية والشرعية الواحد تلو الآخر؟
والوكالة، التي لم يتحدث في مؤتمر «إعادة قراءة مهماتها»، لأسباب ما زالت غير مفهومة، اثنان من أخبر الناس بمهماتها هما كل من المفوضة العامة السابقة كارن أبو زيد ومدير شؤون الأونروا في لبنان سلفاتوري لمباردو، مطالبة اليوم بإجابات واضحة ومحددة عن موقفها من كلام هلال، ومسؤوليتها إزاءه، والأخطر، عما إذا كان كلامها يمهّد لتوجّه جديد للأونروا أم أنه مجرّد «رأي شخصي» لمستشارة ليس من المعروف ما هي طبيعة مهماتها، أو أهمية الاستشارات التي تقدّمها وموقعها.
هكذا، لم ينسحب «الانسجام» الذي بدا بين ممثلي الأونروا وممثلي الفصائل والهيئات الفلسطينية يوم الجمعة الماضي، على اليوم الثاني للمؤتمر أمس الأول.. بل على العكس، انتهت الندوة إلى شرخ بين الموجودين في فهم معنى «اللجوء الفلسطيني»، لا سيما أن بعض المحاضرين اعتبروا الإقرار بحقّ العودة انحيازاً إلى الفلسطينيين، على أساس أنه أحد الحلول التي على «المتفاوضين» (السلطة الفلسطينية وإسرائيل) التوصل إليها.
وبالرغم من ذلك، كان الموقف من حق العودة هو الأكثر تلوّنا بين سلسلة مداخلات «باهتة»، أُعدّت لرسم صورة مختصرة عن الواقع، أكثر مما هي لمناقشته أو تحليله أو استشراف المستقبل.
وإذا كانت المشاركة المدنية والمجتمعية للاجئين الفلسطينيين مع «الأونروا» مثلاً، لا تتطلب أكثر من توصيف الواقع، فإن التطرّق إلى محور «تحسين المخيم/ الإعمار والتنمية المجتمعية» كان بحاجة إلى ما هو أبعد من طرح الواقع، أي إلى الغوص في المشاكل والعقبات وتوقّع النتائج إذا وجدت الحلول أو غابت.
ربما لم يفسح الوقت المعدّ للمداخلات في المجال أمام المهندسة رانا الحسن في طرح المشاكل التي تعانيها إعادة إعمار مخيم نهر البارد، ولا طرح الحلول لها. فهي انطلقت مما كان المخيم عليه، من أقسام ومساحة وعدد سكان… لترسم واقعه بعد العام 2007 بسرعة.
وقالت الحسن إنه بعد ثلاث سنوات على تدمير مخيم نهر البارد، ما من إطار لإعادة المباني المدمّرة، وان 48 في المئة من أهله لم يعودوا إلى منازلهم. لم تتطرّق الحسن مثلاً إلى أوضاع أهالي المخيم الآن، ولا إلى الحلول المطروحة أو المرجوة بشأنهم. بل اكتفت بالطلب إلى الحكومة اللبنانية تغيير مقاربتها لإعادة إعمار المخيم، لجهة طلبها بالمساواة في بناء الأبنية، على أن تكون كل من المباني شرعية وقانونية، مذكرة بأنه لا يحق للفلسطيني التملّك في لبنان منذ العام 2001، وأن بعض الفلسطينيين ضاعت عليهم أملاكهم التي كانوا قد اشتروها قبل ذلك التاريخ من دون تسجيلها، في محيط ما يعرف بالمخيم القديم.
ولم ينسحب هدوء الجلستين الأوليين أمس الأول، على الجلسة الثالثة التي أعدت لمناقشة دور «الأونروا» في الحلول الدائمة للفلسطينيين.
فقد كان كلام رئيس وحدة الشؤون الإقليمية في مكتب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط التابع للأمم المتحدة روبير دان مستفزاً في اعتباره أن «لا سلام من دون مفاوضات»، معتبرا، ربما بحسب رأيه الشخصي، أن الحلول موجودة «لكن يجب عدم وضع العصي في الدواليب».
وقرر دان أن هناك صعوبة في المضي قدماً بأي حلّ يصطدم بواقع الفلسطينيين المقسمين إلى «لاجئين وغير لاجئين، إلى مقيمين داخل الجدار وخارج الجدار…» من دون أن يذكر أنه واقع فرضته إسرائيل.
ثم، جاء كلام مستشارة الوكالة ليلى هلال ليزيد من ريبة الحضور إذ اعتبرت أن «هناك ثلاثة حلول دائمة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وهي العودة إلى الوطن طوعيا، أو الاندماج المحلّي، أو إعادة التوطين في دولة ثالثة»، وقررت أن الحلّين الأخيرين (الثاني والثالث) هما بديلان من الحلّ الأول.
ووصل أستاذ جامعة «ماك ـ غيل» الكندية ريكس برينن في رأيه إلى حدّ اعتبار وكالة الأونروا بمثابة «Avatar» (معرفاً الكلمة بالإله الهندوسي الذي لا مثيل له في الكون)، فهي «صوت اللاجئين و«أفاتار» التأقلم مع السياسات»… كأنما الأونروا هي كيان قائم بحدّ ذاته، وكأنما «اللاجئون» ومعاناتهم مجردّ تفاصيل.
وتركت المداخلات وقعاً سلبياً على الحضور الفلسطيني المشارك، فكانت أسئلة عما يسرب عن تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» وبالتالي حلّ الوكالة. فجاء نفي من دون براهين مؤكدة.
ورأى بعض الفلسطينيين أن كلمة «أفاتار» وإن كان إصرار على استخدامها فهي لا بدّ أن تطلق على الشعب الفلسطيني، لأنه «لولا صموده لما بقيت الوكالة. فقد أنشئت العديد من الوكالات لكثير من المجموعات، وحُلّت بسبب عدم تشبث تلك المجموعات بقضاياها ولم يدم صمودها».
انتهى المؤتمر بجلسة «أكاديمية» حول نظام اللاجئين الفلسطينيين، وبعد تقديم مقتضب من المفوضة العامة السابقة لـ«الأونروا» كارن أبو زيد التي لم تعلق على أي من الكلام الذي دار في الجلسات، تحدث رئيس قسم التقييم ووحدة تحليل السياسات التابع لـ«المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، عن الفوارق التي تميّز عمل الوكالة عن عمل المفوضية. ليبقى السؤال المطروح عن «احتمال أن يفقد اللاجئون الفلسطينيون امتيازاتهم بوكالة منفصلة؟» من دون جواب.
الجواب ربما يأتي في 30 حزيران 2011، تاريخ انتهاء الولاية الحالية للوكالة، والذي لم يأت على ذكره أي من المشاركين. انتهى المؤتمر الذي عرض بعضاً من واقع الوكالة، وبعضاً من واقع اللاجئين وانتهى أيضاً بشعور بالخوف أعرب عنه أحد الحاضرين الفلسطينيين، وقال «أنا أشعر بالخطر».
لم يمض على خير المؤتمر الذي انعقد بعنوان معلن هو «إعادة قراءة في مهمات الأونروا» وجاء ختامه وكأنما يقول إن إعادة القراءة هذه تعني العمل على «دمج» اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، بما يعني إسقاط حق العودة كبند ملزم، وهدف لا تنتهي مهمات الوكالة وسبب وجودها قبل أن يتحقق، وإلا فما معنى أن تطرح الوكالة، على لسان «مستشارتها» ليلى هلال، ثلاثة حلول لا رابع لها لمستقبل الفلسطينيين هي: العودة الى الوطن «طوعياً» (كأنما الأمر منوط بهم)، أو الاندماج المحلّي، أو إعادة التوطين في دولة ثالثة….! معتبرة ان الحلين الاخيرين «هما بديلان عن الحل الاول».
لم يمض على خير على الإطلاق المؤتمر الذي ينعقد فيما الأونروا تتعرض لحملة ضاغطة، تقودها إسرائيل وحلفاؤها الكثر في العالم، بهدف حلّها، و«توفير» كلفتها، التي ترتفع عاما بعد عام مع ارتفاع عدد الفلسطينيين الذين يولدون خارج أرضهم، فيما تتقلص ميزانيتها بفعل تقاعس «العالم المتحضر»، ودمج لاجئيها المعروفة أسباب لجوئهم والمسبب، مع لاجئي كوكب الأرض الآخرين في إطار «المفوضية العليا للاجئين» التابعة للأمم المتحدة، في مساع لوأد ما تبقى من واجبات ما زالت المنظمة الدوليّة تقدّمها للفلسطينيين، بعدما تخلّت عن معظم واجباتها السياسية القانونية والشرعية الواحد تلو الآخر؟
والوكالة، التي لم يتحدث في مؤتمر «إعادة قراءة مهماتها»، لأسباب ما زالت غير مفهومة، اثنان من أخبر الناس بمهماتها هما كل من المفوضة العامة السابقة كارن أبو زيد ومدير شؤون الأونروا في لبنان سلفاتوري لمباردو، مطالبة اليوم بإجابات واضحة ومحددة عن موقفها من كلام هلال، ومسؤوليتها إزاءه، والأخطر، عما إذا كان كلامها يمهّد لتوجّه جديد للأونروا أم أنه مجرّد «رأي شخصي» لمستشارة ليس من المعروف ما هي طبيعة مهماتها، أو أهمية الاستشارات التي تقدّمها وموقعها.
هكذا، لم ينسحب «الانسجام» الذي بدا بين ممثلي الأونروا وممثلي الفصائل والهيئات الفلسطينية يوم الجمعة الماضي، على اليوم الثاني للمؤتمر أمس الأول.. بل على العكس، انتهت الندوة إلى شرخ بين الموجودين في فهم معنى «اللجوء الفلسطيني»، لا سيما أن بعض المحاضرين اعتبروا الإقرار بحقّ العودة انحيازاً إلى الفلسطينيين، على أساس أنه أحد الحلول التي على «المتفاوضين» (السلطة الفلسطينية وإسرائيل) التوصل إليها.
وبالرغم من ذلك، كان الموقف من حق العودة هو الأكثر تلوّنا بين سلسلة مداخلات «باهتة»، أُعدّت لرسم صورة مختصرة عن الواقع، أكثر مما هي لمناقشته أو تحليله أو استشراف المستقبل.
وإذا كانت المشاركة المدنية والمجتمعية للاجئين الفلسطينيين مع «الأونروا» مثلاً، لا تتطلب أكثر من توصيف الواقع، فإن التطرّق إلى محور «تحسين المخيم/ الإعمار والتنمية المجتمعية» كان بحاجة إلى ما هو أبعد من طرح الواقع، أي إلى الغوص في المشاكل والعقبات وتوقّع النتائج إذا وجدت الحلول أو غابت.
ربما لم يفسح الوقت المعدّ للمداخلات في المجال أمام المهندسة رانا الحسن في طرح المشاكل التي تعانيها إعادة إعمار مخيم نهر البارد، ولا طرح الحلول لها. فهي انطلقت مما كان المخيم عليه، من أقسام ومساحة وعدد سكان… لترسم واقعه بعد العام 2007 بسرعة.
وقالت الحسن إنه بعد ثلاث سنوات على تدمير مخيم نهر البارد، ما من إطار لإعادة المباني المدمّرة، وان 48 في المئة من أهله لم يعودوا إلى منازلهم. لم تتطرّق الحسن مثلاً إلى أوضاع أهالي المخيم الآن، ولا إلى الحلول المطروحة أو المرجوة بشأنهم. بل اكتفت بالطلب إلى الحكومة اللبنانية تغيير مقاربتها لإعادة إعمار المخيم، لجهة طلبها بالمساواة في بناء الأبنية، على أن تكون كل من المباني شرعية وقانونية، مذكرة بأنه لا يحق للفلسطيني التملّك في لبنان منذ العام 2001، وأن بعض الفلسطينيين ضاعت عليهم أملاكهم التي كانوا قد اشتروها قبل ذلك التاريخ من دون تسجيلها، في محيط ما يعرف بالمخيم القديم.
ولم ينسحب هدوء الجلستين الأوليين أمس الأول، على الجلسة الثالثة التي أعدت لمناقشة دور «الأونروا» في الحلول الدائمة للفلسطينيين.
فقد كان كلام رئيس وحدة الشؤون الإقليمية في مكتب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط التابع للأمم المتحدة روبير دان مستفزاً في اعتباره أن «لا سلام من دون مفاوضات»، معتبرا، ربما بحسب رأيه الشخصي، أن الحلول موجودة «لكن يجب عدم وضع العصي في الدواليب».
وقرر دان أن هناك صعوبة في المضي قدماً بأي حلّ يصطدم بواقع الفلسطينيين المقسمين إلى «لاجئين وغير لاجئين، إلى مقيمين داخل الجدار وخارج الجدار…» من دون أن يذكر أنه واقع فرضته إسرائيل.
ثم، جاء كلام مستشارة الوكالة ليلى هلال ليزيد من ريبة الحضور إذ اعتبرت أن «هناك ثلاثة حلول دائمة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وهي العودة إلى الوطن طوعيا، أو الاندماج المحلّي، أو إعادة التوطين في دولة ثالثة»، وقررت أن الحلّين الأخيرين (الثاني والثالث) هما بديلان من الحلّ الأول.
ووصل أستاذ جامعة «ماك ـ غيل» الكندية ريكس برينن في رأيه إلى حدّ اعتبار وكالة الأونروا بمثابة «Avatar» (معرفاً الكلمة بالإله الهندوسي الذي لا مثيل له في الكون)، فهي «صوت اللاجئين و«أفاتار» التأقلم مع السياسات»… كأنما الأونروا هي كيان قائم بحدّ ذاته، وكأنما «اللاجئون» ومعاناتهم مجردّ تفاصيل.
وتركت المداخلات وقعاً سلبياً على الحضور الفلسطيني المشارك، فكانت أسئلة عما يسرب عن تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» وبالتالي حلّ الوكالة. فجاء نفي من دون براهين مؤكدة.
ورأى بعض الفلسطينيين أن كلمة «أفاتار» وإن كان إصرار على استخدامها فهي لا بدّ أن تطلق على الشعب الفلسطيني، لأنه «لولا صموده لما بقيت الوكالة. فقد أنشئت العديد من الوكالات لكثير من المجموعات، وحُلّت بسبب عدم تشبث تلك المجموعات بقضاياها ولم يدم صمودها».
انتهى المؤتمر بجلسة «أكاديمية» حول نظام اللاجئين الفلسطينيين، وبعد تقديم مقتضب من المفوضة العامة السابقة لـ«الأونروا» كارن أبو زيد التي لم تعلق على أي من الكلام الذي دار في الجلسات، تحدث رئيس قسم التقييم ووحدة تحليل السياسات التابع لـ«المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، عن الفوارق التي تميّز عمل الوكالة عن عمل المفوضية. ليبقى السؤال المطروح عن «احتمال أن يفقد اللاجئون الفلسطينيون امتيازاتهم بوكالة منفصلة؟» من دون جواب.
الجواب ربما يأتي في 30 حزيران 2011، تاريخ انتهاء الولاية الحالية للوكالة، والذي لم يأت على ذكره أي من المشاركين. انتهى المؤتمر الذي عرض بعضاً من واقع الوكالة، وبعضاً من واقع اللاجئين وانتهى أيضاً بشعور بالخوف أعرب عنه أحد الحاضرين الفلسطينيين، وقال «أنا أشعر بالخطر».